دت شادية غرادات مرتدية سترة وسروال جينز في جولة في روابي المدينة الجديدة التي ترتفع من تلة في الضفة الغربية في إشارة إلى الطابق العلوي من مبنى سكني قائلة بفخر قبل متابعة عرض مزايا مدينة روابي الجديدة "إنه لي"، ويرمز هذا المشروع الممول من القطاع الخاص في قلب الضفة الغربية المحتلة للمستقبل المحتمل للشعب الفلسطيني المحاصر وصورة مصغرة من العقبات التي تواجههم، ويعد وجود المدينة الجديدة في مكان تحت الحكم العسكري لنصف قرن تقريبا في ظل الجدل والعراقيل والانتقادات شهادة على رؤية مؤسسها وقتها الدافعة "بشير المصري"، وتعد غرادات واحدة من المهندسين المدنيين ضمن فريق الشابات الذين ساعدن في بناء روابي، وجعلن المدينة بتكلفة 1.2 بليون دولار أنشودة التخطيط الحصري المعاصر موطن لها، متصدية لتقليد متبع منذ وقت طويل يقضي ببقاء النساء الفلسطينيات مع والديهم حتى الزواج ثم تنتقل للعيش مع أصهارها.
غرادات شابة متعلمة مهنية ومستقلة وتعد روابي مدينة جديدة ونظيفة بمواصفات وتكنولوجيا عالية وكلاهما يمثل قطيعة مع الماضي، لكن طموحاتهم تعاني من العنف الدوري والتعنت السياسي لهذا الجزء من العالم، وتطرقت الجولة في مدرنة روابي إلى اثنين من الأحياء الذين اكتمل بنائهم منذ بدء البناء عام 2012، حيث بيعت 700 شقة وانتقل السكان الجدد لعيش في الخرف الماضي، وستضم روابي سكان بعدد 25 ألف شخصا في قلب المدينة الشاهقة وربما يزيد العدد إلى 40 ألف مع التوسع المستقبلي، وتجسد المدينة حلم التخطيط الحضري ونقيض الفوضى الصاخبة والقمامة المتناشرة في معظم المدن الفلسطينية، وتحظى الشقق بإطلالات رائعة على مناظر طبيعية بالضفة الغربية، وتحلق الطيور الجارحة خلال ضوء المساء الذهبي، ومن أعلى النقاط في المدينة يمكنك رؤية البحر الأبيض المتوسط يتلألأ في ما ما وراء تل أبيب على بعد 25 ميلا.
ويربط الكتل السكنية ممرات خضراء وحدائق عامة، ويقتصر وجود المركبات على الطرق الخارجية ومواقف للسيارات تحت الأرض، ويتم توصيل الكهرباء والاتصالات من خلال كابلات الألياف الضوئية تحت الأرض، وتنتشر مناطق للعب الأطفال ومعدات رياضية في الهواء الطلق ومقاعد، وتتميز الشقق بتشطيبات عالية الجودة ومطابخ حديثة وأجهزة متكاملة ومخازن للبلدية للاحتفاظ بالقمامة بعيدا عن الأنظار، فضلا عن توفير تكييف الهواء والتدفئة من مصدر مركزي، وتضم كل شقة شرفة أو تراس مع وجود 100 تصميم مختلف، وتباع أصغر شقة من غرفتين نوم بسعر 65 ألف دولار، أما الشقة ذات الأربع غرف فتتكلف 150 ألف دولار، وهناك وحدات من شقق الأسطح العلوية بأسعار مرتفعة لكنها تظل أرخص 25% مقارنة بالشقق المماثلة في رام الله المركز الاقتصادي والسياسي المزدحم للضفة الغربية.
وتضم مدينة روابي مساحات خالية مجزئة للمحلات والمقاهي والمطاعم في انتظار التشغيل، وأضافت غرادات " نحاول إقناع العلامات التجارية العالمية مثل مانجو وزارا لفتح محلات هنا"، مشيرة إلى عدم وجود سلاسل عالمية حتى الآن في الضفة الغربية، ويشمل مخطط المدينة مساحات وفيرة للمكاتب ودار حضانة وسينما ذات 7 شاشات للعرض ومركز للمؤتمرات وفندق، وتتيح مجموعة مساجد وكنيسة مساحة للعبادة للسكان، وهناك منطقة صناعية على مشارف المدينة، وتم بناء مدرسة واحدة ويتم التخطيط لبناء أخرى، وفي مركز التسوق يمكن للمشترين المحتملين فحص نماذج مصغرة من المشاريع ورؤية فيلم ترويجي ومقابلي ممثلي الاستشارة لمعرفة خيارات التمويل في البنوك العربية.
وتضم المدينة مسرح "جوهرة روابي" في الهواء الطلق الذي يتسع لـ 12 ألف مقعدا، ويؤمل أن يقيم الفنانون العالميون عروضهم هناك لجذب الجماهير إلى روابي من كل أنحاء الضفة الغربية وخارجها، وتحوي المدينة ستاد وحديقة مائية وكل المركبات الترفيهية في خطة طموحة لجعل روابي مكانا مرغوبا للعيش ومقصدا للزيارة؛ ومنذ شرع بشير المصري في مشروع روابي عام 2007 استهلك كل لحظة للبقاء مستيقظا. ويقول بشير " أصبح لدي الكثير من الشعر الرمادي، ولا أعتقد أنني حصلت على يوم واحد عطلة ولم أغلق هاتفي أبدا، لقد كانت هناك لحظات كثيرة سعيدة ولحظات محبطة أيضا، ولم يكن الأمر رحلة سهلة". وتحدث بشير رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي متأثرا بعواطفه عن المدينة الجديدة قائلا " يبعث هذا المشروع رسالة واضحة مفادها أنه رغم كل العقبات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي في طريقنا فنحن ماضون نحو تحسين حياتنا وأن نملك ولاية خاصة بنا، صُمم هذا المشروع الضخم للفلسطينيين أولا، حيث يقف الناس على قمة التل ويقولون: يا إلهي هذا المكان لنا، هم يشاهدون أماكن أخرى في بريطانيا ودبي وإسرائيل وأميركا على الإنترنت، ويرون مثلها هنا على أرضنا التي بناها مهندسون وعمال منا، إنه أمر يجلب الفخر الوطني، نعم نستطيع إحداث فرق رغم كل هذا البؤس، وتبعث مدينة روابي رسالة للمجتمع الدولي مفادها أننا لسنا ما جُبلوا على الاعتقاد فيه، نحن لسنا حفنة من الإرهابيين، ونحن على استعداد لبناء دولتنا وهذا هو الدليل ".
وفي عام 2012 كانت الأرض مكسورة لكن بحلول منصف 2013 بيعت 600 شقة خارج الخطة، وسجل 8 آلاف شخصا آخرين مشترين محتملين، وبعد عام تم الانتهاء من المرحلة الأولى وكانت المرحلة الثانية تحت الإنشاء، لكن في أوائل عام 2015 كانت روابي مدينة للأشباح وتوقع بشير المصري الإفلاس، وكانت الأزمة التي دفعته ومشروعه الضخم إلى حافة الكارثة هي المياه، فقد قضى المصري عامين في محاولة لتأمين إمدادات كافية يمكن الاعتماد عليها، ودون ذلك كانت مدينة روابي ميتة.
واستولت إسرائيل على موارد المياه في الضفة الغربية قبل 50 عاما تقريبا عندما بدأ احتلالها للأراضي الفلسطينية، وبموجب اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 تم إنشاء لجنة مشتركة للمياه (JWC) بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الجديدة (PA)، وحددت السلطة الفلسطينية إمدادات المياه في الضفة الغربية، وتولت إسرائيل تحديد كمية المياه التي ستوفرها، ويجب أن توافق اللجنة المشتركة على أي صفقة للمياه في روابي، إلا أن السلطة الفلسطينية رفضت التعامل مع اللجنة احتجاجا على إمدادات المياه الكبيرة للمستوطنات الإسرائيلية مقارنة بما يتم توفيره للمدن الفلسطينية. وكانت روابي مدينة جافة ، وذكر المصري " كان الأمر فائق الحرج لمدة عامين وكنا على استعداد لتسليم الشقق، وكنا في حاجة إلى 100 مليون دولار من المشترين الذين ينتظرون القدوم للمدينة لكننا لم نتمكن من إحراز تقدم، فقد تباطأ البناء وانسحب مئات المشترين، واعتقدت حقا أننا سنفلس"، وفي لحظة يأس ناشد المصري أصدقاءه في مجال الأعمال والسياسة للتدخل الدولي، وكان من بين مؤيدي بناء روابي رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وأضاف المصري " كان بلير من مؤيدي بناء روابي وزارنا مرات عدة وساعد في إزالة عدة عقبات سياسية وتم اتفاق المياه في آذار/ مارس 2015 وخصصت حصة لنا قدرها 300 متر مكعب يوميا، لكننا بالفعل في حاجة إلى المزيد وتعاني معظم المدن الفلسطينية من مشاكل المياه وجميعهم يطلبون المزيد منها".
ولم تكن المياه المشكلة الوحيدة في روابي، حيث تقع روابي في المنطقة (أ) وتخضع 18% من الضفة الغربية للسيطرة الفلسطينية، لكن دخول المدينة يتم من خلال المنطقة (ج) ويخضع 60% منها للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وكان على المصري التفاوض للحصول على إذن لبناء طريق للشاحنات التي تحمل مواد البناء والسيارات والحافلات التي تحمل عمال روابي وكذلك لمنح سكان روابي إمكانية للوصول إلى بقية أنحاء الضفة الغربية، وتابع المصري " تم مناقشة الأمر في البيت الأبيض مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والجميع، وأخيرا بدأنا الحفر ووضعنا الحقائق على الأرض بواسطة الطريق، وأعطونا تصريحا مؤقتا للطريق عام 2012 مع تزايد الضغوط الدولية، لكن يجب أن يتم تجديدة سنويا وإلا يمكنهم إغلاق الطريق، ونريد جعل الطيق دائم ونريد توسيع نطاقه، جئنا ذهابا وإيابا لفترة طويلة وأتفاءل بالموافقة عليه في المستقبل القريب".
وبيّن المصري " قبل أن أعثر على 10 مشترين محتملين كان الأمر صعب، والمشروع الآن متأخر عن الجدول الزمني المحدد بـ 3 سنوات ويعاني من نقص التمويل بمقدار 150 مليون دولار على الأقل"، إلا أن التحديات تتجاوز التأخير والطرق والمياه، وأضاف المصري " على حد علمي ليس هناك مدينة تم تمويلها بالكامل من القطاع الخاص، لكننا دفعنا لكل شيء بداية من المياه والصرف الصحي والمدارس والاتصالات والكهرباء والطرق والأماكن الدينية ونحن لسنا سعداء بهذا". ووقع المصري عام 2008 اتفاقية شراكة بين القطاعين العام والخاص مع السلطة الفلسطينية التي بموجبها تمول الأخيرة البنية التحتية الأساسية في المدينة والتي تصل قيمتها إلى نحو 140 مليون دولار، وأردف " لم أحصل على شيء منذ ذلك الحين، وينبغي أن تكون أولويات السلطة الفلسطينية ليست السياسة والأمن فقط، لكن الاقتصاد أيضا، وأنا أفهم أنهم متعثرون ماديا ولكن كان يمكنهم تقديم الدعم المعنوي على الأقل، إلا أن السلطة الفلسطينية لم توفر حتى الشرطة في المدينة، ووافقوا على فتح مركز للشرطة قبل 5 أشهر لكنهم يحتاجون إذنا إسرائيليا، ومنذ ذلك الحين ونحن ننتظر ولم يحدث شيء، وحاليا أنا قائد الشرطة في هذه المدينة".
وأوضح المصري أنه كان يمكن للسلطة الفلسطينية على أقل تقدير توجيه الجهات الدولية المانحة إلى روابي، وأعلن عن المشروع قبل مؤتمر في باريس في كانون الأول/ ديسمبر 2007، وكان يمكن تقديم مليارات الدولارات من المساعدات لدعم مشاريع الاقتصاد وبناء الدولة الفلسطينية، وأضاف " أخشي من تركيز المانحين على رفاهية المجتمع في فلسطين ولكننا بحاجة إلى خلق فرص طويلة الأمد بدلا من انتظار الصدقات شهريا، نحن لا نريد أن نعتمد على العمل الخيري"
ولد المصري (55 عاما) ونشأ في مدينة نابلس المركز التجاري الرئيسي في الضفة الغربية وهي المدينة التي أنتجت المزيد من الانتحاريين خلال سنوات العنف في الانتفاضة الثانية، ويعد عضوا في واحدة من الأسر المعروفة والغنية، وعمه منيب المصري رجل أعمال بارز ورجل خير ويطلق عليه " الأب الروحي لفلسطين"، وبعد أن درس وعمل في الخارج وتحديدا في الولايات المتحدة عاد بشير المصري إلى الضفة الغربية في منتصف التسعينات عندما ارتفعت الآمال بالتوصل إلى تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ فترة طويلة عقب توقيع اتفاقية أوسلو، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية استمر وتضاعفت المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية وتراجعت احتمالات قيام دولة فلسطينية. وأطلق المصري صحيفة وبنى عملا ناجحا وفكر مليا في كيفية بعث الحياة في الاقتصاد الفلسطيني، وبدأ حلمه بمدينة جديدة يتبلور تدريجيا، واستعان بخبرة المخططين والمهندسين المعماريين الدوليين لتجسيد رؤيته وتأمين التمويل من قطر لزيادة استثماراته الضخمة الخاصة، واشترى موقعا على التلال كرد متعمد على المستوطنين الإسرائليين الذين سعوا للحصول على مواقع قيادية للمستعمرات المزدهرة، وعادة ما توجد المدن والقوى الفلسطينية على منحدرات الوادي، وكان مفتاح حلم المصري هو مدينة مستدامة وجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل في الضفة الغربية، وكان يطمح إلى جذب التكنولوجيا الفائقة، وخدمة الصناعات من خلال المساحات الخالية للمكاتب فوق مركز التسوق في مدينة روابي، فيمكنهم الاستفادة من التكلفة المنخفضة نسبيا للقوة العاملة من الشباب ذات التعليم العالي والعقلية التكنولوجية.
ولفت المصري إلى أن ميزة الاتصالات عن بُعد تكمن في كونها تحظى بحصانة ضد الاحتلال فلن تحتاج للتغلب على عقبات نقاط التفتيش والحظر على الصادرات والواردات وتقلبات السلطات المدنية والعسكرية الإسرائيلية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، مضيفا " أريد إقناع جوجل وميكروسوفت لإنشاء فرص عمل هنا، فيمكننا أن نكون مصدرا خارجيا ولما لا؟ وستكون هذه خطتنا الرائدة". وتعاني مدينة روابي من عدة انتقادات فقد اعتبرها بعض الفلسطينيين مشروعا لإرضاء غرور المصري، ويقول البعض إن تكلفة السكن هناك بعيدة عن متناول معظم الفلسطينيين، فيعد الرهن العقاري طويل المدى مستحيلا بالنسبة لهم، ويخشى البعض من أن مفهوم الوحدات السكنية القصيرة للأسرة الزوجية أو السكن المنفرد يتحدي الأعراف الاجتماعية التقليدية؛ فالأسر الممتدة تعيش معا ما يوفر الرعاية المتكاملة لكبار السن والصغار، ويتهم البعض المصري بتملق إسرائيل لإقامة مشروعه، معتبرين أن المدينة تمثل تطبيعا مع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية من خلال الإقدام على مثل هذه المغامرة قبل تأمين قيام دولة فلسطينية، ويعتقد البعض أن تعامله مع السلطات الإسرائيلية يصل إلى حد التعاون، فتفاوض المصري مع إسرائيل لتوفير إمدادات المياه والطرق كما جاءت كثير من مواد البناء المستخدمة من موردين إسرائيليين.
ويقول المصري بشأن الانتقادات الموجهة له " من حقهم أن يكون لهم رأيهم الخاص ولكن هناك الكثير من الأشياء التي اتهموني بها غير صحيحة، وأنا لا أرى التعامل مع الشركات الإسرائيلية خطأ؛ لأنه يكاد يكون من المستحيل عدم التعامل مع إسرائيل، كما أن 99% من منازل الفلسطينيين بنيت بالأسمنت الإسرائيلي، وعندما تذهب إلى أي متجر فلسطيني تجد الناس يشترون الآيس كريم الإسرائيلي، ويعتقد بعض الناس أن مدينة روابي تلطف الاحتلال وأنا أعترض على ذلك؛ لأن روابي بُنيت رغم الاحتلال، لقد كشفنا حقيقة الاحتلال في معركتنا على الأشياء الأساسية مثل المياه والطرق". ويصف المصري بعض منتقديه بكونهم "يساريين كابوتشينو"، مضيفا " إنهم يقررون ما يجب مقاطعته وما لا يجب مقاطعته، فلا بأس في الدراسة في جامعة تل أبيب ولكن لا لشراء الأسمنت الإسرائيلي"، وذلك في إشارة إلى عمر البرغوثي أحد مؤسسي المقاطعة وسحب الاستثمارات وحركة العقوبات، وكان طالبا لدى جامعة تل أبيب، لكن المصري اعترف بصدى الشعارات المناهضة لإسرائيل عند قتل الفلسطينيين بدم بارد، فقد قٌتل 30 إسرائيليا واثنين من الأمريكيين في موجة من الطعن وإطلاق النار وصدام السيارات بواسطة الفلسطينيين بين شهري تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وآذار/ مارس هذا العام، و خلال الفترة نفسها قُتل أكثر من 200 فلسطينيا ومعظمهم أثناء تنفيذ الهجمات المزعومة.
وأشار إلى أن العنف كان له تأثيره على مدينة روابي، موضحا " لا يمكنك تسويق منازل جديدة في مناخ يتعرض فيه الناس للقتل، وعندما تتعرض المنازل الفلسطينية للهدم من قوات الأمن"، وأدى ذلك إلى انتكاس طموحات المصري في جذب الشركات التكنولوجية إلى مدينة روابي، ورغم مبادرته فإن الشركات الدولية لم تتخذ مواقع لها في المدينة، واعترف المصري " نحن نناضل لحدوث ذلك، لقد أنشأنا روابي بطريقة غريبة بعض الشيء، بنينا المدينة ثم دعونا الشركات حتى تأتي، والطبيعي هو خلق فرص عمل أولا ثم بناء المدينة حولها، لكني كنت على ثقة أنه يمكننا القيام بذلك، فلدينا أصدقاء في جميع أنحاء العالم فُتنوا بالمدينة، فقد شاهدوا للمرة الأولى الفلسطينيين يفعلون شيئا إيجابيا، فالمجتمع الدولي بجانبنا وليس ضدنا".
وخلق تطوير روابي ذاتها آلاف من فرص العمل، وعلى غير العادة كانت أكثر من نصف القوى العاملة بالمدينة من الإناث، وكان هذا متعمدا. وأردف المصري " النساء مؤهلات على قدم المساواة ويتميزن بقدرة هائلة على العمل الدؤوب، وأردنا تمكين المرأة في مكان العمل"، ويعد المصري أبا لاثنين من الفتيات أعمارهن في العشرينات، وبيَّن " أدركت كيف ستكون المرأة في وضع غير ملائم، وعندما يتدهور الاقتصاد تحصل النساء على الجزء الأسوء منه، ونحن نحاول بناء حضارة وهذا يتطلب المساواة، كما أن الشباب الذين يشترون منزلا هنا عادة ما يحتاجون إلى راتبين".
وانتقلت عائلة مي الزورو (25 عاما) وتعمل مدرسة لغة إنكليزية وزوجها عامل المبيعات وطفلتها (9 أشهر) إلى مدينة روابي من بيت لحم الخريف الماضي، وعرضت شقة العائلة للبيع بتكلفة 120 ألف دولار وتتكون من 3 غرف للنوم و3 حمامات لكن العائلة استفادت من برنامج الإيجار من أجل الشراء، فهم يدفعون 500 دولار شهريا إيجارا لمدة عامين ونصف، وسيسددون الرصيد بمزيج من الادخار والتمويل العقاري، وأضافت الزورو " في فلسطين عادة ما نعيش مع الأسر الممتدة لكن ليس كل الشباب يعتقدون أن هذه هي أفضل وسيلة، وأردنا شقة خاصة لنا وجيران جدد".
وبيّنت غرادات أن المشترين عادة يكون في الثلاثينات من العمر من الأسر الشابة مع زوجة وزوج يعملان خارج المنزل لدى القطاع الخاص ويحظون بتعليم جيد ويبحثون عن أسلوب حياة جديد بين الأسر الشابة الأخرى، وكان هناك 10% من المسيحيين من أول 700 عائلة مقارنة بـ 3% ضمن العدد الكلي للسكان، وتابعت " يتغير نمط المجتمع الفلسطيني، وعندما اشتريت شقتي لم تتفهم عائلتي الأمر، فالأمر ليس جزءا من ثقافتنا، ولكن أنا سعيدة بأننا نغير ذلك". ولم يعرف بعد إلى أي مدى ستذهب التغيرات، وليس لدى المصري شك في أن روابي ستمثل نقلة تاريخية لكن البعض يترقب بحذر، وأضاف المصري " رؤيتي ليست مجرد روابي، فالأمر ليس عن العقارات لكن تغيير على مستوى الجذور وعن التمكين، وروابي مشروع رائد وسيكون له تأثير الدومينو لكن السؤال هو متى؟".
أرسل تعليقك