عانى المشهد المعماري في العاصمة الإيرانية، طهران، بعد الثورة الإسلامية 1979من عاصفة خطيرة، استُهلكت البلاد بواسطة الحرب، ثم مرحلة إعادة الإعمار. وفي الأونة الأخيرة اتجه جيل جديد من المهندسين للسير على خطى المعماريين القدامى، محاولين تثقيف أنفسهم فيما يتعلق بالاتجاهات العالمية وفي ظل الاستقرار النسبي في البلاد مقارنة باضطرابات ما بعد الثورة، حينها بدأت العاصمة الإيرانية تحتضن هندسة معمارية تجريبية جريئة.
وكانت طهران منذ فترة طويلة موطنًا للمباني المعاصرة المتميزة بداية من برج آزادي، "برج الحرية"، ومتحف الفن المعاصر أو مسرح المدينة، وفي العقود القليلة الماضية التي سبقت الثورة الإسلامية، دفع المهندسون المعماريون حدود العمارة الفارسية التقليدية مثل هوشانغ سيهون وكمران ديبا وحسين أمنات وذلك من خلال استخدام العناصر التقليدية في التصاميم الحديثة، ويلخص برج الحرية من تصميم أمنات تلك الجهود.
وأكد مهران غارلغي، مدير ستوديو في لندن، وعمل سابقًا في الشركة الهندسية المعمارية البارزة في طهران، أن طهران عام 2016 تعتبر في حالة لإعادة بناء نفسها، حيث تستوعب البلديات تصاميم جديدة مقارنة بأوروبا وهناك شهية كبيرة للمباني الجديدة، وتحظى طهران ببنية فريدة من نوعها باعتبارها أكثر ديناميكية من أي عاصمة أوروبية، وفي الوقت نفسه فهي ليست مدينة نموذجية في الشرق الأوسط، حيث يمكنك ملاحظة المشهد الحضري الفوضوي للوهلة الأولى، ومقارنة بمدن مثل طوكيو تستطيع طهران باستمرار تجديد هويتها البصرية".
وأشار غارلغلي إلى تأثير رؤساء البلديات على طهران مثل الرئيس السابق أحمدي نجاد، والرئيس الحالي محمد باقر قاليباف الذي كان يدير مشروعًا لافتًا للنظر لتثبيت لوحات بيكاسو وميتسي الإعلانية في شوارع المدينة، مضيفًا "منح هذا محافظ طهران الدافع لإنجاز مشاريع طموحة وتحسين المناطق الحضرية التابعة"، وأوضح كمران ريزانبور مؤسس الشركة المعمارية التي لديها مكاتب في طهران وشيراز، قائلًا "يتمتع المهندسون المعماريون في إيران بقدر كبير من الحرية، فلا يحدث مكتب رئيس البلدية عقبات، وتعدّ القضية الأساسية هي إقناع المالك، وفي طهران يهتم مكتب رئيس البلدية بأمرين هما أماكن توقيف السيارات وارتفاع المباني".
وأضاف رزانبور "لم تقتصر الحرية المعمارية على العاصمة، وفي الحقيقة في مدن أخرى مثل أصفهان وشيراز ومشهد وتبريز ستجد المزيد من الأعمال الإبداعية عن طهران، وفي الماضي كان هناك فرق كبير بين العاصمة طهران والمدن الكبيرة في هذا الصدد ولكن أصبح ذلك في أضيق الحدود حاليا".
منزل شريف ها :
بُني المنزل عام 2014 في حي داروس للأثرياء في طهران، ويتكون من 7 طوابق مع 3 كتل متحولة بزاوية مقدارها 90 درجة، وتستقر كل كتلة على قاعدة دوارة ويسمح للمالك فرشاد شريفي بتغير اتجاهها بكبسة زر واحدة، ويضم المنزل حمام سباحة وصالة رياضية وسنيما، وأكد المعامري أليريز تغابني، قائلًا "يشير حجم المبنى إلى المنازل الإيرانية التقليدية التي تعد مسكن حيوي موسمي يوفر غرفة معيشة للشتاء وأخرى للصيف للمقيمين".
- جسر تابيت:
كشف محافظ طهران عن هذا الجسر عام 2014 وهو بنية تكنولوجية مذهلة من تصميم المهندسين المعماريين ليلى أراغين وأليريزا بهزادي، وكانت أراغين عمرها 26 عامًا عندما صممت الجسر واستغرق بناؤه عامين، وأصبح مقر استراحة مشهور للشباب، وموقعًا لممارسة الرياضة الصباحية، ويتوافد عليه آلاف العامة للتنزه في العطلات، وتلقى الجسر اهتمامًا دوليًا كبيرًا بعد تسميته باسم الفائز بجائزة Architizer A+ وهي مسابقة عالمية تقام في نيويورك، وبُني الجسر الكبير بطول 270 مترًا والذي يربط بين اثنين من الحدائق في شمال طهران على 3 ركائز كبيرة، ويضم عدة مسارات و3 طوابق من المطاعم والمقاهي وأماكن الجلوس. وذكرت أراغين للغارديان العام الماضي "لم أرغب أن يكون جسرًا يستخدمه الناس للعبور من حديقة إلى أخرى لكني أردت أن يكون مكان لتبقى الناس فيه للتأمل ولا يمرون فيه ببساطة".
- سنيما براديس ميلات:
تعدّ سنيما براديس ميلات للمعماري رضا دينشمير هي المسؤولة عن إطلاق إبداع جديد في العاصمة، وكان أحد أوائل المشاريع الذي حظى باعتراف دولي بعد الثورة، ويقول غارلغي "تم المشروع بتكليف من قبل رئيس بلدية طهران وتم الانتهاء منه عام 2008 وواصل قطاع الدولة التكليف بأعمال مماثلة فيما بعد مثل جسر تيبات"، وتقع السنيما في الركن الجنوبي من حديقة ماليت، ومن السمات المركزية للسنيما قوس بطول 57 مترًا دون أعمدة داعمة، وصُمم المبنى كمكان للخروج بعد مشاهدة الأفلام.
- منزل نيكباخت:
بُني المنزل السكني لمحمد رضا نيكباخت في نيفاران شمال طهران عام 2013، وتم تصميمه خصيصًا بما يضمن عدم قطع الأشجار أثناء بناؤه، وأضاف نيكباخت "شاهدنا في طهران قطع أشجار عمرها 150 أو 200 عامًا لإنشاء مباني وشقق جديدة، وفي المشروع الخاص بي واجهنا نحو 128 شجرة يبلغ متوسط أعمارها 70 عامًا"، وتطلبت الخطة الأولية قطع 40 شجرة إلا أن نيكباخت أعاد التصميم وأقنع البلدية بالحفاظ على كافة الأشجار. وتابع نيكباخت "حاولنا حمايتهم عن طريق تغطيتهم أثناء البناء، حيث جفت شجرة واشتعلت النار في أخرى بينما ظل الباقيين كما هم، ويضم المجمع السكني اثنين من المباني يتكون كل منهم من 5 طوابق، وبعد المشروع أصبح العديد من الناس على وعي بالحفاظ على الأشجار، كما زادت السلطة من تكلفة إزالة الأشجار لغرض بناء المنازل أو المكاتب الجديدة".
- أورسي خانة:
وتعتبر أورسي خانة التي صممت بواسطة الأخوة كيفاني كتلة سكنية مكونة من عدّة شقق وتم الانتهاء من بنائها في سبتمبر/ أيلول 2015 في حي جيشا من الطبقة المتوسطة في طهران، ويقول نيما كيفاني "كان أحد الشواغل الرئيسية لنا كيفية جلب القيم المعمارية إلى اليوم، كان هدفنا جعل العمارة الإيرانية تواكب الحداثة، وفي هذا المشروع استخدمنا مفهوم نوافذ أورسي التي ظهرت في المنازل الإيرانية في مدينة كاشان، وحاولنا استخدامها في العمارة اليوم"، ويتكون المبنى من 7 طوابق منها 5 للشقق وحديقة على السطح، وتابع كيفاني "استخدمنا الزجاج الملون وتحديدًا الألوان الستة التي عادة ما تشاهد في النوافذ الإيرانية".
أرسل تعليقك