شهد يوم امس الجمعة، سلسلة من محاكمات الرؤساء السابقين الذين يمثلون أمام القضاء في تهم تتعلق بالفساد وتقاضي الرشوة واستغلال السلطة وتسريب أسرار الدولة، ومن بينها محاكمة رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما، ورئيسة كوريا الجنوبية السابقة باك جون – هاي، إضافة إلى الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا
شهدت جنوب أفريقيا تقلبًا سياسيا كبيرًا، خلال الشهرين الماضيين، كان أحدثها محاكمة رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما، امس الجمعة، والذي بدا خلالها متوترًا فور دخوله إلى قفص الاتهام، إلا أن الإجراءات بأكملها انتهت خلال 20 دقيقة فقط، بعد أن وافق القاضي على تأجيل الجلسة المقبلة حتى يونيو /حزيران لمنح فريق دفاع زوما وقتًا حتى يقوم بتقديم طلب إعادة النظر في قضية فساد في إطار صفقة أسلحة كبيرة قبل نحو 20 عاما.
زوما من "السيد الرئيس" إلى "المتهم رقم واحد"
ويواجه زوما تهم عدة، من بينها تلقي رشا من مصنع الأسلحة الفرنسي تاليس في صفقة بقيمة مليارات الدولارات أثناء توليه وزارة اقتصاد مقاطعة، ثم نائبا لرئيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
كما تواجه الشركة الفرنسية تاليس، التي قامت بتزويد سفن حربية في إطار الصفقة، اتهامات بالفساد، وزوما متهم بالحصول على ما مجموعه أكثر من أربعة ملايين راند "280 ألف يورو بسعر الصرف الحالي" سلمها إياه شبير شايك رجل الأعمال الذي كان مستشاره المالي.
وحكم على شايك بالسجن 15 عاما في 2005 في هذه الاتهامات، لكن تحقيقًا واجه انتقادات حادة عام 2006 أدى إلى تبرئة زوما.
وكان في قفص الاتهام مع زوما أيضا، المتهم الثاني، كريستين غورييه ممثلة شركة تصنيع الأسلحة الفرنسية. وقال القاضي ثيمبا سيشي: "تم تأجيل هذه القضية إلى الثامن من يونيو وهو تاريخ مؤقت، على أن يتم إطلاق سراح المتهمين أمام المحكمة بعد تلقي تحذيرا".
انتكاسة كبرى وهتافات المؤيدين
ويمثل تحول زوما من "السيد الرئيس" إلى "المتهم رقم واحد" في أقل من شهرين انتكاسة كبرى إلى الرجل البالغ من العمر 75 عاما، والذي شاب حكمه إلى البلاد لمدة تسع سنوات ركود اقتصادي وخفض التصنيف الائتماني.
وقال زوما، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية: "إن الاتهامات وراءها دوافع سياسية وإن بعض زملائه السابقين في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قرروا بالفعل أنه مذنب".
وأكد محاموه أمام المحكمة الجمعة، أن موكلهم سيستأنف قرار محاكمته، وهذه خطوة جديدة ضمن معركة قضائية طويلة لإسقاط التهم وتجنب محاكمة يمكن أن تنتهي بقرار سجنه.
وفي المحكمة هتف مؤيدوه باسمه فيما كانت الجموع في الخارج تغني تأييدا له. وقال زوما، الذي أجبر على الاستقالة في فبراير (شباط) تحت ضغط من حزبه، للحشد المجتمع في اليوم الأول من محاكمته، إنه تعرض للاضطهاد بسبب السياسة وإن اسمه يتم "تدنيسه في الوحل"، وفقاً لترجمات قناة "نيوز 24" لتصريحاته. وغادر زوما الذي كان يحيط به عدد كبير من الأشخاص قاعة المحكمة ليخاطب أنصاره في الخارج، قائلا إن التهم "ذات دوافع سياسية".
وقال أمام حشود تطلق هتافات "أنا بريء حتى إثبات الذنب، لكن هناك أشخاص يريدون معاملتي كمذنب"، وألقى زوما بكلمته أمام الحشد بلغة الزولو، وهي لغته الأولى ولغة مؤيديه في ديربان.
ثم أدى أغنيته ورقصته المميزة، وغنى أغنية ثورية قديمة بعنوان "أعطني رشاشي"، وسط صيحات كثير من مؤيديه في الحشود دعما له.
وأقال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم زوما من منصبه في فبراير الماضي لأسباب، أهمها القضايا القانونية المرفوعة ضده وفضائح الفساد التي يواجهها.
ونأى الحزب بذاته عن رئيسه السابق. وتعهد خلف زوما، الرئيس الحالي سيريل رامابوزا بالقضاء على الفساد في الحكومة، مشيرا إلى أن ذلك يمثل مشكلة خطيرة.
وفي عام 2007، تم توجيه 16 تهمة إلى زوما تتعلق بالابتزاز والفساد وغسل أموال والاحتيال، وتم إسقاط التهم، المرتبطة بـ783 تهمة، قبل توليه الرئاسة عام 2009، وبعد سنوات من الطعون القانونية، قررت هيئة الادعاء الوطني الشهر الماضي أن محاكمة زوما ضرورية.
رئيسة كوريا الجنوبية و16 تهمة فساد
واستمرارًا لمحاكمة الرؤساء أصدرت محكمة كورية جنوبية أمس الجمعة، حكمًا بسجن الرئيسة السابقة باك جون - هاي في 16 اتهاما بالفساد، بما في ذلك إساءة استخدام السلطة والرشوة وتسريب أسرار الدولة، لمدة 24 عاما في فضيحة كشفت شبكات من الفساد بين زعماء سياسيين وكبرى الشركات في البلاد.
ونقلت وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية للأنباء عن القاضي، كيم سي يون قوله "المدعى عليها أساءت إلى السلطة الرئاسية، المفوضة من شعب هذا البلد. ونجم عن ذلك فوضى عارمة، فيما يتعلق بالنظام العام وإدارة الدولة".
وقال القاضي إن باك لم تبد "أي بوادر على الندم"، وأضاف أثناء النطق بالحكم "ليس أمامنا سوى أن نحاسبها بشدة..أساءت المتهمة استغلال سلطتها الرئاسية التي ائتمنها الناس عليها ونتيجة لذلك حدثت فوضى عارمة في شؤون الدولة وأدت لعزل الرئيسة، وهو أمر غير مسبوق".
وقالت المحكمة إن باك تواطأت مع صديقتها تشوي سون - سيل للحصول على 23.1 مليار وون من مجموعات كبرى مثل سامسونغ ولوتي لدعم عائلة تشوي وتمويل مؤسسات تملكها لا تهدف للربح.
وأجريت انتخابات رئاسية بعد عزل باك في العام الماضي فاز فيها مون جيه - إن الذي تسبب موقفه التصالحي تجاه كوريا الشمالية في سريان الدفء في العلاقات بين الجارتين. وقال مكتب مون إن مصير باك "يفطر القلب" ليس لها وحدها ولكن للبلد أيضا. وأضاف المكتب: "لن ننسى اليوم".
وكانت باك من بين أكثر السياسيين المحافظين نفوذا في البلاد وتم انتخابها في الجمعية الوطنية (البرلمان) خمس مرات. وهي ابنة باك شونج هي، الذي حكم كوريا الجنوبية بقبضة من حديد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى اغتياله في عام 1979.
وقالت محكمة سيول الجزئية إن باك تواطأت مع صديقتها تشوي للحصول على مبالغ طائلة من مجموعات كبرى مثل سامسونغ ولوتي لدعم عائلة تشوي وتمويل مؤسسات تملكها لا تهدف للربح. ونفت باك، 66 عاما، ارتكاب أي مخالفات، وتغيبت باك، التي لم تمثل أمام المحكمة في جلسات سابقة، عن الحضور أثناء النطق بالحكم.
وتم تغريمها أيضا 18 مليار وون بسبب الفضيحة، التي أدت إلى إقالتها والإطاحة بها في نهاية المطاف من قبل المحكمة الدستورية في البلاد في مارس (آذار) العام الماضي، بعد أن كان ممثلو الادعاء قد طالبوا بالحكم عليها بالسجن 30 عاما وتغريمها 5.118 مليار وون (111 مليون دولار)، حال إدانتها.
انقضاء مهلة الرئيس البرازيلي الأسبق
وذهابًا إلى البرازيل، أمهل القاضي البرازيلي سيرجيو مورو، أمس الدمعة، الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا حتى بعد ظهر أمس لتسليم نفسه لتنفيذ عقوبة بالسجن 12 عاما بتهمة الفساد، ما يقوض فرص ترشحه للانتخابات الرئاسية التي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه أوفر حظا للفوز فيها. وبعد الإعلان عن أمر القاضي، أعلن حزب العمال الذي أسسه لولا في ثمانينات القرن الماضي عن "تعبئة عامة" ضد سجنه.
وقال القاضي مورو في الأمر الذي أصدره إنه "بالنظر إلى المنصب الذي شغله، ستتاح للولا إمكانية تسليم نفسه طواعية إلى الشرطة الفيدرالية في كوريتيبا "جنوب" حتى الساعة 17.00 بالتوقيت المحلي، من السادس من أبريل / نيسان". ومنع القاضي "استخدام الأصفاد تحت أي ذريعة" أثناء اعتقال لولا (72 عاما). وأوضح أن "صالة خصصت" في مقر الشرطة للرئيس الأسبق "بمعزل عن كل السجناء الآخرين، وبدون أي خطر على سلامته العقلية والجسدية".
وكان لولا موجودا الخميس في ساو باولو، التي تبعد نحو 400 كلم عن كوريتيبا المدينة التي يقيم فيها القاضي سيرجيو مورو، الذي دان في جلسات البداية في يوليو/ تموز أحد أهم قادة اليسار في أميركا اللاتينية. وأكدت محكمة الاستئناف الحكم في منتصف يناير /كانون الثاني الماضي، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتجمّع آلاف من مؤيدي لولا مساء الخميس في مقر نقابة عمال المعادن خارج ساو باولو. وألقت الرئيسة السابقة ديلما روسيف كلمة من على ظهر شاحنة أمام حشد يلوح بأعلام حمراء ولافتات. وقالت: "لولا بريء، وليست هناك جريمة أخطر من إدانة بريء".
وأجرى لولا مقابلة مع الصحافي السياسي المشهور في البرازيل كينيدي الينكار. وكتب الصحافي على "تويتر" أن "لولا قال إن السجن أمر "عبثي" يصر عليه القاضي مورو، والذين يريدون رؤيته في السجن يوما ما". وكانت المحكمة العليا رفضت ليل الأربعاء إلى الخميس طلبا بتعليق تنفيذ الحكم على لولا الذي حكم البرازيل من 2003 إلى 2010، والبقاء حرا إلى أن يستنفذ كل فرص الطعن.
وسيترتب على لولا (72 عاما) أن يقضي حكما بالسجن لمدة 12 عاما وشهر لتلقيه شقة فخمة على الشاطئ من شركة بناء لقاء امتيازات في مناقصات عامة. وينفي الرئيس السابق (2003 - 2010) بشكل قاطع الاتهامات، مشددا على عدم وجود أدلة ومنددا بمؤامرة تهدف إلى منعه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة، بعد ثماني سنوات من خروجه من الحكم بمستوى شعبية قياسي.
وقالت زعيمة حزب العمال غليزي هوفمان "إنه عنف غير مسبوق في تاريخ ديمقراطيتنا"، وأضاف "قاض مشحون بالكراهية والحقد وبلا أدلة"، يصدر حكما "بسجن سياسي يذكر بزمن الديكتاتورية". ويمكن أن يتابع لولا حملته من وراء القضبان، لكن قانون "الملف النظيف" يمنع انتخابه بسبب حكم الاستئناف، لكن القضاء الانتخابي سيبحث رسميا ترشحه، وسيقوم محاموه بتقديم الطعون حتى ذلك الوقت.
وقال المحللون "إن القضاء الانتخابي يمكن أن يلغي ترشحه. لكن استراتيجية حزب العمال تعتمد على الاستياء الذي يثيره سجنه، لتطبيق خطة بديلة في وقت لاحق تقضي بأن يستفيد عضو آخر في الحزب من الأصوات الممنوحة له".
وفي المقابل، شهدت برازيليا احتفالات وإطلاق ألعاب نارية مع الإعلان عن قرار المحكمة العليا الأربعاء. وفي هذا البلد الذي عاش تحت حكم عسكري من 1964 إلى 1985، تشير استطلاعات الرأي إلى أن النائب اليميني جاير بولسونارو، المعروف بحنينه إلى تلك الحقبة، يأتي في المرتبة الثانية في نوايا التصويت.
وقد صرح في تسجيل على "يوتيوب" بأن "البرازيل حققت هدفا ضد الإفلات من العقاب، لكنه ليس سوى هدف واحد والعدو لم يهزم بعد". ودعا إلى انتخاب رئيس "نزيه" في اقتراع أكتوبر /تشرين الأول.
أرسل تعليقك