باريس - العرب اليوم
تعيش فرنسا هذه الأيام أزمة سياسية متفاقمة إثر الفوز الكبير وغير المسبوق الذي حققه الحزب اليميني المتطرف ، الجبهة الوطنية ، في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي مما وضعه في المرتبة الأولى على قائمة الأحزاب السياسية في البلاد ، ووضع الرئيس هولاند أمام مأزق صعب.
واحتلت الجبهة الوطنية المرتبة الأولى من بين الأحزاب الفرنسية في انتخابات البرلمان الأوروبي بعد حصولها على 24.85% من الأصوات ، يليها حزب الاتحاد من أجل حركة الشعبية الذي حصل على 20.8% من الأصوات ، بينما جاء الحزب الاشتراكي الحاكم في المركز الثالث حيث لم يحصد سوى 13ر18 % من الأصوات.
وأحدث هذا الفوز زلزالا واسعا في الأوساط الفرنسية خاصة وأنها تعد المرة الأولى التي يتقدم فيها حزب متطرف في الانتخابات سواء على المستوى الداخلي في فرنسا أو على الصعيد الأوروبي ، ويعتبر المراقبون أن هذا الأمر يعد مؤشرا خطيرا على تغير شكل الخريطة السياسية الأوروبية حيث أبرزت تلك الانتخابات صعود الأحزاب المتطرفة المناهضة للوحدة الأوروبية مثل حزب يوكيب في بريطانيا وحزب اليمين المتطرف "إف بي أو" في النمسا.
تدهور شعبية الرئيس الفرنسي
والأهم من ذلك هو تأثير تلك الانتخابات على الساحة الداخلية الفرنسية إذ يأتي هذا الصعود الملحوظ لليمين المتطرف ، بزعامة مارين لوبن ، في وقت تشهد فيه شعبية الرئيس أولاند تدهورا غير مسبوق انعكس في النتائج التي حظى بها حزبه خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة ، وأظهرت أحدث استطلاعات الرأي هبوط شعبية أولاند إلى أقل من 18% وهو أمر لم يحدث من قبل لأي من رؤساء الجمهورية الخامسة منذ عام 1958 ، خاصة أنه لم يمض في قصر الإليزيه سوى عامين من مدة ولايته التي تبلغ خمسة أعوام.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أظهر استطلاع جديد للرأي ، أجرته صحيفة " لو فيغارو" الاسبوع الماضي ، أن 3% فقط من الفرنسيين يريدون أن يكون أولاند مرشح اليسار في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها عام 2017 ، بينما حل في المرتبة الثالثة بين مرشحي الحزب الاشتركي بعد حصوله على 15% من الأصوات ، في الوقت الذي حصل فيه رئيس حكومته مانويل فالس على 40 % من أصوات المؤيدين ، ومن بعده الوزيرة السابقة مارتين أوبري التي حصلت على 16% من الأصوات.
ويعتبر هذا المشهد جديدا على الساحة الفرنسية حيث جرت العادة أن الرئيس المنتهية ولايته يكون بشكل تلقائي هو المرشح الرسمي عن معسكره لولاية ثانية ، سواء كان من اليمين أو اليسار، ولكن ما كشف عنه الاستطلاع السابق هو أن أكثرية ساحقة من الاشتراكيين وأنصارهم شككوا في قدرة أولاند على خوض الانتخابات المقبلة وبالتالي فهم متمسكون بإجراء انتخابات داخلية لاختيار المرشح الأجدر بتمثيلهم ، وهو ما يعتبر ضربة قاسية للرئيس الفرنسي.
ووصل الأمر إلى تساؤل بعض المراقبين ما إذا كان أولاند يستطيع إكمال ولايته الرئاسية أم أن تراجع شعبيته سينزع عنه شرعية الانتخابات التي حملته إلى قصر الإليزيه منذ عامين ، وبالتالي لن يكون قادرا على الاستمرار في إدارة شؤون البلاد.
ورغم أن هذا الأمر غير مطروح للمناقشة على الساحة الفرنسية لأن الدستور يكفل الحق للرئيس الفرنسي بإكمال مدته الرئاسية ولا شيء من الناحية القانونية يلزمه بالتخلي عن ولايته غير أن حدوث هذه البلبلة تعكس مدى الأزمة التي يعيشها الرئيس الفرنسي خلال المرحلة الراهنة.
وانخفضت شعبية أولاند بصورة ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة بسبب الارتفاع المتواصل في معدلات البطالة والتي تجاوزت الثلاثة مليون شخص في أبريل الماضي ، وهو ما اعتبرته وزارة العمل الفرنسية رقما قياسيا ومؤشرا على ضرورة التعبئة العامة من أجل تحقيق النمو وخلق فرص عمل جديدة.
نصر تاريخي للجبهة الوطنية
ويرى المراقبون أن زعيمة الجبهة الوطنية ، ماري لوبن ، نجت في استغلال حالة السخط التي يشعر بها المواطنون الفرنسيون إزاء مؤسسات الدولة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لكسب مزيد من الأصوات خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة لتحقق بذلك أول نصر تاريخي لحزبها منذ تأسيسه قبل 40 عاما.
ويسلط المراقبون الضوء على فكرة أن صعود اليمين المتطرف على الساحة الفرنسية أصبح أكثر قبولا بين صفوف المواطنين رغم العداء الذي كان يحظى به الحزب خلال العقود الماضية ، ولكن منذ أن تسلمت ماري لوبن زعامة الحزب عام 2011 ، خلفا لوالدها جون ماري لوبن ، تغيرت صورة الحزب شيئا فشئ حيث سعت لوبن إلى التحرر من النزعة الأيدولوجية التي كانت تسيطر على الحزب وقللت التركيز على قضايا الهجرة والمهاجرين وسلطت الاهتمام أكثر على القضايا التي تمس المواطنين وسعت خطوة خطوة لجعل حزبها من أحزاب الحكومة.
وهذا الأمر يبرر عدم خروج جموع حاشدة إلى الشوارع الفرنسية اعتراضا على فوز الجبهة الوطنية في الانتخابات - كما حدث من قبل حين صعد جون ماري لوبن إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس شيراك عام 2002 - حيث لم تنجح محاولات حشد المتظاهرين المناوئين للجبهة الوطنية إلا في جمع أعداد قليلة معظمهم من طلاب المدارس والجامعات.
ويخلص المراقبون إلى أن تصويت الفرنسيين لصالح لوبن في الانتخابات الأوروبية الأخيرة يعد إنذار خطيرا للرئيس أولاند وحكومته حيث أصبح يتعين عليهما البحث عن طرق جديدة لتحفيز الاقتصاد الفرنسي وخفض معدلات البطالة واستعادة ثقة المواطنين في مؤسسات بلادهم ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ، خاصة وأن فرنسا لاتزال تتمتع بإنتاجية عالية ، وعمال مهرة وشركات من الطراز العالمي، ووضع سكاني أفضل من معظم البلدان الأوروبية الأخرى.
نقلًا عن "أ.ش.أ"
أرسل تعليقك