مكسيكو ـ سمير الفيشاوي
في حوض البراكين الخامدة التي تهيمن على مدينة "مكسيكو سيتي" ، يظهر وادي المكسيك في الظلام عبارة عن بحيرة عملاقة من الحمم الكهربائية أدناه، حتى يتحول الوهج إلى ما يشبه عباءة مخملية سوداء مطرزة مع الخرز الزجاجي متعدد الألوان، والتي هي أضواء لـ21 مليون شخص.
من قمم كاتدرائياتها إلى قيعان أساساتها المدفونة تحت مدينة عالية ارتفاعها 7218 قدم، تبدو "مكسيكو سيتي" لافتة للنظر بشكل بسيط، إذ تقع على مملكة "تينوختيتلان الأزتيك" من القرن ال14، مدينة القنوات التي يصل حجمها لخمسة أضعاف حجم "تيودور لندن"، فضلا عن "مدينة القصور" التي تأسست في عام 1519 كعاصمة لإسبانيا الجديدة. وتحمل أعمال كبير مهندسي المكسيك الحديثين الحمض النووي الإبداعي لأجدادهم.
لقد شهدت المكسيك العديد من الثورات في ما بعد الاستعمار. اليوم، بعد قرنين من الاستقلال، هناك واحدة أخرى، بإيعاز من الطهاة المبتكرين المحليين، أصحاب الفنادق والمهندسين المعماريين والمصممين والحرفيين الذين أعادوا تعريف الهوية المكسيكية، مثل تلك التي أسستها الرموز الوطنية للمكسيك أمثال فريدا كاهلو ودييغو ريفيرا، ويستعيدون بها الجذور الأصلية. وتعتبر "مكسيكو سيتي" الآن واحدة من أكثر المدن أمانا في أميركا الجنوبية، إلى معاقل الاستعمار في منطقة "باجيو" الحيوية، وحتى عبر الجبال الغربية "سييرا مادري" إلى ساحل المحيط الهادي.
في بولانكيتو Polanquito، الجزء البوهيمي من الضاحية الجنوبية الفاخرة لـ"بولانكو دي إف" Polanco DF، حيث المحلات والمطاعم الحائزة على الجوائز، إذ أن المكسيك هي موطن لـ10 من أفضل 50 مطعمًا في أميركا اللاتينية. هنا الأثرياء يرشفون الشوكولا الساخنة العضوية أو يتنزهون بجوار كلابهم "الشيواوا" المرفهة خلال غابات "تشابولتيبيك" المجاورة، أو حديقة الامبراطور السابقة التي هي الآن واحدة من أكبر الحدائق في العالم.
فوق هذه الإمبراطورية الدفينة، وضع اثنان الأهرامات التي أقيمت مؤخرا، جعلا من بولانكو العاصمة الفاخرة الجديدة لأميركا اللاتينية. معبد "بالاسيو دي هييرو" يقع على مساحة 253 ألف قدم مربع في مجمع "ازتيك" المستوحى من فرض صممه خافيير سوردو مادالينو برناس، نجل الحداثي المكسيكي خوان سوردو مادالينو. و"متحف سمية"، تاج محل المكسيك، الذي هو على شكل "هيكل الدمبل" من البلاط والألومنيوم السداسي الذي بناه قطب الاتصالات كارلوس سليم حلو تكريما لزوجته الراحلة. المعرض، الذي يضم مجموعة من فنه، هو ملكية عائلية صممه المهندس المعماري فرناندو روميرو، وشريكه نورمان فوستر الذي صمم معه مطار مكسيكو سيتي الجديد، المقرر أن يكون واحدا من أكثر المطارات استدامة في العالم.
ولكن العجائب الحقيقية في مكسيكو سيتي اليوم هي مستقلة في روحها ومتجذرة في الماضي، وهم الطهاة الذين هم نجوم روك اليوم، والذين أعادوا اختراع وصفات جداتهم، مثل خمور الذرة التي كانت تستخدم في الماضي من قبل المايا للأغراض الاحتفالية.
في تلك الليلة، في ليكوريريا ليمانتور Licoreria Limantour، أفضل بار لتقديم الكوكتيل في أميركا اللاتينية، والذي يقدم جامايكا مسكال مع نكهة الكركديه بحرفية في جرة من الفخار. ومن العادات القديمة المضحكة للأزتيك، أنهم كانوا يعتقدون أنه عندما تصاب بحالة سكر عليك الإفراج عن 400 أرنب، وبعد ذلك المشروب ربما عليك تجربة تلك العادة.
وعندما تسقط الشمس لتستحم في الحجر البركاني في ضوء اليوسفي في مدينة أميركا الوسطى، هو مشهد مذهل حقا. عند الغسق، ربما عليك الاتجاه شمالا مرة أخرى، مرورا بمزرعة تربية الثيران المقاتلة، على قارعة الطريق تصطف مع الصبار المستقيم كأعمدة اليشم المنحوتة. النجوم هي قريبة جدا من الأرض بحيث يظهر نجم أوريون.
أرسل تعليقك