دمشق ـ جورج الشامي
مع مرور عام كامل على إنشاء مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين في الأردن، والذي اعتبر واحد من أسوء المخيمات في العالم، كثرت التقارير التي ترصد هذه المخيم وأوضاع اللاجئين داخله، وطريقة عيشهم، وآمالهم، وتطلعاتهم.
وبدأ أحد مواقع المعارضة السورية الحديث عن المخيم، بقوله "شمعة في ظلمة مخيم الزعتري للاجئين السوريين أشعلت ليل أول أمس لتذكير الملايين والساسة، بأن ثمة مظلومين ومقهورين تجاوز عددهم 150 ألف نسمة، هجَّرهم نظام مازال ساسة العالم يداهنوه، وتعيد أول ذكرى للزعتري سرد كثير من يوميات الجرح السوري المتقيح وخذلان القريب والبعيد للألم السوري، وتعود ذاكرة العديد من أبناء الزعتري إلى عام مضى، عندما تم ترحيلهم من مخيم البشاشة المكتظ حينها ببضعة آلاف ليتحول الزعتري بالتدريج مع يوميات قصف وتدمير المدن السورية إلى رابع تجمع بشري كثافة في المملكة الأردنية بعد العاصمة عمان ومدينتي إربد والزرقاء".
وتابع الموقع "الزعتري هنا، قصص تبوح بأوجاعها بعد أن هدأت يوميات اللاجئين وضبطت سلوكيات وبردت همم النشطاء، إذا كانت أيام الزعتري الأولى بؤرة لاستقطاب عدسات الإعلام ورواده ليتحول اليوم إلى سكينة وحياة رتيبة تنتظر من يقرر عنه حتى مجزرة حي الخالدية مرت أمس بعكس مجزرة الحولة حين أشعل النشطاء ليل المخيم وشله إضرابًا استمر لثلاث ليال وشموع طالبت بمحاسبة القتلة والمجرمين".
وأضاف "أسئلة الزعتري في ذكراه الأولى يرويها بعض سكانه، وقد رحلوا من مدن درعا وريفها، وحمص وأحيائها، وحماه ووسطها، وحديثًا بعض أبناء البيوت المنكوبة من العاصمة الاقتصادية حلب وشقيقتها إدلب".
من أصل ما يقارب 150 ألف نسمة بحسب تقديرات النشطاء لعدد سكان مخيم الزعتري، و120 ألفًا بحسب تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وتقديرات الحكومة الأردنية عدد قليل منهم أمضى سنته كاملة في المخيم، فالعرف أن يسارع الناس لإنقاذ الواصلين حديثًا لتتكشف لاحقًا صعوبة استمرار الرعاية وارتفاع الأجور والتكاليف في مدن المملكة ليعود من حيث غادر بالأمس القريب إلى مخيم الزعتري، فيما كانت أرقام الواصلين مثيرة لضمير العالم دون أن تحركه متجاوزة 5000 آلاف نازحًا عقب مجازر في أرياف سورية، ومع وصول البراكيات السعودية بات الاستقرار في زوايا وحارات الزعتري أمرًا مقبولاً ومتيسرًا، لاسيما وأن السكينة أصابت قاطنيه ممن بقوا، ولكن ثمة مخاوف تقهر فرحة وصول البراكيات كبديل عن الخيم مثيرةً طعم النكبات السابقة والقريبة، ويقول أبناء الزعتري "هل البراكيات السعودية مرحلة ما قبل العجز العربي والعالمي عن إسقاط نظام الأسد وخيمة الأمس لا تصمد لأعوام مقابل البراكيات الأمتن، فالأزمة طويلة وقاسية وقد لا نعود "ينهي البعض حديث أوجاعه وإن لم تنتهِ الأوجاع.
لم تتوقف حياة السورية داخل المخيم، حيث شهد الزعتري حالات زواج داخلية وخارجية ودعا بعض النشطاء مع استفحال الحديث عن تزواج مجبول بالمال والشهوة من القادمين من الخارج، دعا النشطاء لإقامة حفلات زواج جماعية وبرعاية جمعيات خيرية لتوفير النفقات، وتكوين الأسر بيسر وسهولة ومنع انزلاقات أخلاقية لبشر طال مكوثهم في جغرافيا لا يطيقها بشر، وعرف الزعتري خلال العام الماضي استفحال الحديث عن انعدام الجانب الأخلاقي ووصل الأمر ببعض الأقلام المأجورة من المخابرات السورية لاتهام السوريات بشرفهن وتقديمهن على أنهن سبايا يمكن شراؤهن بالمال، وهو ما لعب دورًا في تصاعد أدوار جديدة للنشطاء وللجمعيات المدنية وبروز لجان مجتمعية داخل أحياء المخيم المتسع طولاً وعرضًا.
وتشير السيدة خالدية المقداد، "أن الاستثمار في قضايا تفصيلية مثيرة وفيها شهوانية وغرائزية دلت على حجم المؤامرة التي تحاك ضد كرامة السوريات ولم يتنطح كتاب المال لدعوة إنسانية ترأف بحق السوريات لإقامة مزيد من المرافق الصحية أو توفير بعض الأعمال لسوريات رفضن العبودية والقهر".
وتلفت السيدة الأربعينية إلى "كتاب قدموا لمرة واحدة وغادروا فيما تستمر الحياة في المخيم ويتزاوج السوريون ورغم قسوة كل العالم يصنعون لمستقبلهم أقصى ما يستطيعون".
ويلفت الشاب الثلاثيني والمصاب في ساقه، أحمد طيب، "أن الزعتري قصة ألم القرن الواحد والعشرين ولا يعرف تفاصيله ومعاناته إلا قاطنوه" مشيرًا "أنهم قبل الذكرى الأولى للمخيم ب24 ساعة استقبلوا جرحى وصلوا من مدن سورية كما ودعوا شبابًا بعمر الورد قرروا العودة لاستمرار الوقوف ضد الطغيان والجبروت لأسدي وحلفائه".
ويعرب الشاب عن استعداده للأخذ بيد كل من يريد أن يقدم الحقيقة ذاهبًا للقول "هنا الحقيقة الزعتري حقيقة من يقتل شعبه ويهجره بالأمس أيضًا ودعنا مع صبية عشرينية زوجها الجديد متجهًا إلى أحياء حمص المحاصرة كانت الزغاريد في الليل تكسر ظلمة الزعتري منوهًا إلى أن الزوجة ودعت الزوج الجديد بعد الزوج الشهيد".
للزعتري طقوس وأعراف كما له تجاره، وشطاره، وله محبوه، ومبغضوه، هنا في وسط الشارع الرئيسي، لا أحد يتمكن من إحصاء عدد المتاجر الممفتحة والتي تبيع قطع الجليد لتبريد المياه الساخنة الواصلة للزعتري وصولاً لمحلات غير معلنة لصبايا يدرن متجرًا لترتيب الشعر، وقصع، وإضفاء بعض الجمال على وجوه أتعبها اللجوء والحرمان وإن كانت الأجور تقبل بالقليل جراء مشاركة الهم والعيش المشترك والمصير، وهي المفردات التي يبادر بها أبناء المخيم في يومياتهم.
ووصف أطباء فرنسيين الشارع الرئيسي في مخيم الزعتري بـ"الشانزلزيه" كتعبير منهم عن تزايد النشاط التجاري وحركة المرور اليومية، لكنها ممزوجة بطعم اللجوء والمعاناة، وتشير بعض الأنباء لما يقارب 3 آلاف متجر و580 مطعمًا، وأكشاك الطعام على جانبي شارع أسفلتي وحيد في الزعتري، ويمكن أن تمتد تجارة السوريين لشراء البراكيات الجديدة منها أو السابقة نظرًا لتغير ظروف وطوارئ القاطنين أو القادمين على حد سواء، كما يستطيع اللاجئون هنا شرب الشاي وشراء الأحذية أو حتى شراء مكيف لبيوتهم ولاقطات فضائية لأجهزة التلفاز، يتابعون أخبار احتل الخبر السوري العنوان الأبرز.
وتطورت خدمات الزعتري بين افتتاحه على عجل وبين واقعه اليوم مسافة مقبولة، لكنها بقيت عاجزة عن تلبية متطلبات متزايدة سيما وأن الزعتري استقطب رؤساء وملوكًا عربًا وقادة عالميين، كان آخرهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهو ما يحتم تسارعًا في الاستجابة وتوافر المتطلبات كما مر على شهور وأيام الزعتري جمعيات أردنية، وأخرى عربية، وفنانيين، ونجوم، ورسل منظمات دولية، وبقيت الحاجات متزايدة، إذ يمكن أن يلحظ أي زائر تردي المرافق الصحية ويمكن أن يصل المرفق الصحي الواحد للمئات بين مقيمين وزوار، إضافة لمعاناة قاطني المخيم من سوء المياه الواصلة وعدم كفايتها وهو ما ساهم بانتشار العديد من الأمراض التي حملت أوجه التقصير، كما تظهر صورة أطفال الزعتري ويومياتهم سوء الحال وحجم التقصير، ويفضح قبول المنظمات والدول على التقصير حتى في جانبه الإنساني.
على أن الصورة في الشمعة الأولى للزعتري ليست قاتمة بمجملها، إذ وفرت بعض الدول جوانب ساعدت اللاجئيين السوريين على البقاء والاستمرار والتكيف مع ظروف شظف العيش، حيث يلحظ الزائر أن هناك مستشفى فرنسيًا وآخر مغربيًا إلى جانب مستشفى إيطالي أردني وعيادات صحية أردنية وخليجية، إضافة إلى "أطباء بلا حدود"، كما يضم المخيم مدرستين انخرط بهما ما يقارب 10 آلاف طالب للدراسة، ووفرت عشرات الفرص من العمل لمعلمين فروا من يوميات القتل وتحويل المدارس لمعتقلات، كما وفر حضور مسجد فرصًا أيضًا لإقامة أنشطة ذات طابع ديني ترفيهي للأطفال وساهم أيضًا باستقطابهم، إضافة لبعض ما يسمى ملاعب رملية تستهوي فئة الصغار واليافعين.
لسان حال أبناء الزعتري رغم مضي العام الأول من لجوئهم في خيمة ووسط صحراء ملتهبة أن النهايات اقتربت والنصر قاب قوسين أو أدنى، فالنظام أنهك وحلفاؤه بحسب الناشط أيمن حميدي ،23 عامًا، مستطرداً، نسأل القادمين من هناك ملوّحًا بيده إلى الشمال السوري "المعنويات مرتفعة والهمم عالية والإصرار على التحرير والشعوب لا تهزم، لكن حجم المؤامرة على كرامة السوري ورغبته بالحرية تحتاج لبعض الزمن" ينهي الشاب بتنهيدة وحيرة تملأ خيمته القماشية فالبراكيات لا تتوفر للجميع ولغة الإصرار على النصر تأخذ تراجعًا في نفوس وأحاديث أبناء الزعتري سيما عند حلول الظلام، إذ يسمع صوت القذائف المدفعية وهي تدك مدن وبلدات الجنوب الحوراني وتتوالى مع الصباح أنباء أحدث المجازر التي ارتكبها النظام السوري وسط غض نظر و وعدم إدانة واستهجان دوليين على أقل تقد.
أرسل تعليقك