لندن ـ العرب اليوم
يبدو أن تفشي جائحة كورونا المستجد أخطر بكثير مما كنا نتخيل. ففي آخر تصريحاته قال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جبريسوس، أمس الاثنين، إن فيروس كورونا المستجد "أشدّ حالة طوارئ صحية عامة" تواجهها المنظمة على الإطلاق، لاسيّما مع تسجيل الدول التي بدت في مرحلة ما أنها حاصرت الوباء، ارتفاعًا جديدًا في الحالاتووفق تحليل لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، الثلاثاء، سجّلت عدد من الدول الواقعة في آسيا والمحيط الهاديء زيادات جديدة، تبدو غير مُبررة، في حالات الفيروس، وذلك رغم أنها كانت من أوائل الدول التي زحف إليها الوباء وتمكّنت لاحقًا من احتوائه. ويبدو أن الحكومات التي تم الإشادة بها في السابق لاستجابتها في مواجهة كورونا، باتت تُكافح الآن.أشارت الشبكة الأمريكية إلى أن مُعاودة ظهور كورونا في دول تمكّنت من حِصاره، يُمثّل أمرًا مُقلقًا بالنسبة للدول التي لم تنجح في احتواء الوباء بشكل كامل خلال الموجة الأولى من الفيروس، ناهيك عن البؤر الكارثية في كلٍ من الولايات المتحدة والبرازيل. وقالت إن الأمر مُخيف بشكل خاص لأنه لم يتبق سوى بضعة أسابيع أخرى وينتهي فصل الصيف في أجزاء من نصف الكرة الشمالي، فيما يتوقع العديد من علماء الأوبئة أن يبلغ الفيروس ذروته مُجددًا في فصل الشتاء
"انتكاسات" في آسيا والمحيط الهادئ
سجلت الصين، الثلاثاء، أكبر زيادة محلية في إصابات "كوفيد 19" منذ أوائل مارس، لليوم الثاني على التوالي، غالبيتها في منطقة شينجيانغ الغربية النائية، التي عاود الوباء التفشي في عاصمتها، أورومتشي، بعد ما يقرب من 5 أشهر من عدم تسجيل حالات جديدة.وفي جنوب هونج كونج، تشهد المدينة الصينية شبه المستقلة أيضًا تفشيًا جديدًا كبيرًا، مع أكثر من ألف حالة جديدة مُسجّلة خلال الأسبوعين الماضيين، وأكثر من 100 حالة على مدى 6 أيام متتالية. بحسب السي إن إن، حدثت الطفرة الجديدة لكورونا بعد أن بدت المدينة خالية تمامًا من الفيروس، مما أدى إلى تخفيف القيود وبدء التباحُث حول فتح التنقل الجوي.وفي حين شهدت اليابان انخفاضًا طفيفًا في حالات كورونا أمس الاثنين، سجّلت أسوأ أرقامها منذ المراحل الأولى للوباء، مع حوالي 5 آلاف حالة جديدة خلال الأسبوع الماضي، وفقًا لبيانات جامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية. تركّزت الحالات في العاصمة طوكيو، التي سجلت على مدى 6 أيام متتالية أكثر من 200 إصابة جديدة حتى أمس الاثنين، حينما كان هناك 131 حالة. ومع ذلك، عزت الشبكة الأمريكية هذا التراجع، في جزء منه، إلى إجراء عدد أقل بكثير من الاختبارات خلال عطلة نهاية الأسبوع لمدة 4 أيام، والتي صُمّمت للترويج للسياحة الداخلية.وفي الوقت ذاته، لفتت الشبكة الأمريكية إلى أستراليا التي تشهد أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في الحالات. فرغم أنها سجّلت عددًا قليلًا في يونيو، ارتفع عدد الإصابات في نهاية الشهر وانفجر في يوليو، لا سيّما في فيكتوريا الجنوبية، أكثر الولايات تضررًا؛ حيث أعلنت أمس الاثنين عن 384 حالة أخرى. وهناك 4775 حالة نشطة فيها 414 منهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية، مما يزيد من الضغط على قدرة الدولة على علاج المرضى.
ماذا حدث؟
جاءت العديد من أحدث موجات الفيروس، وتحديدًا في هونج كونج وأستراليا والصين وأماكن أخرى، مُفاجئة للمسئولين. ففي حين أن هناك عددًا من الأخطاء التي يجب الإشارة إليها في ردود الحكومات المختلفة تجاه كورونا، إلا أن أرقام الإصابات لم تنفجر حتى وقت قريب جدًا- ربما بسبب ظهور سلالة أكثر شراسة من الفيروس، أو أن الحالات كانت تتفاقم ببساطة دون أن يتم رصدها.وفي وقت سابق هذا الأسبوع، كتب بن كولينج، الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة هونج كونج، "قد لا نعرف أبدًا" كيف بدأت أحدث موجات كورونا في المدينة، لكن البيانات تشير إلى انتقال العدوى من الخارج، بحسب السي إن إن.وقال: "عندما يتم السيطرة على هذا الوباء، سيؤكّد هذا حقا على أهمية منع انتقال العدوى عن طريق الاختبار الفعال، وإخضاع الأشخاص القادمين إلى هونج كونج لحجر صحي"، مُضيفًا: "بمجرد أن يبدأ الوباء في التفشّي، سيتطلب جهدًا كثيرًا لوقفه".وقال نائب زعيم هونج كونج ماثيو تشيونج، أمس الاثنين، إن المدينة اتبعت نهج "الرفع والقمع"، وخفّفت القيود تدريجيًا مع تراجع الحالات، مع تعزيزها حال زيادتها.في إطار استعداداتها لموجة ثانية مُحتملة من الوباء، أعلنت حكومة هونج كونج، هذا الأسبوع، عن عدة تدابير وقائية جديدة منها جعل ارتداء الكمامات في الأماكن العامة إلزاميًا، وقصرت التجمعات العامة على شخصين فقط. ومن المُفترض أن تساعد الحكومة الصينية في بناء مستشفى على غرار مستشفى ووهان بالقرب من مطار هونج كونج تضم حوالي 2000 سرير.أكد تشيونج، أن الوضع الوبائي حرج للغاية، متوقعًا أن الأسابيع القليلة المُقبلة ستكون حاسمة لمصير المدينة، لأنها "تواجه مخاطر كبيرة لتفشي الوباء داخل المجتمع" على حد قوله.لفتت سي إن إن إلى أن المسؤولين في هونج كونج يواجهون انتقادات كبيرة بسبب تعاملهم مع الموجة الأخيرة من الفيروس، لاسيما بعد منح إعفاءات من الحجر الصحي الممنوع للمسافرين من رجال الأعمال وأطقم الشركات، والذين ألقى باللوم عليهم واتهموا بإعادة الفيروس إلى المدينة مُجددًا.مع ذلك، تدافع الحكومة عن سياستها وتؤكد أنها ضرورية لحماية الاقتصاد، ولم تتمكن السلطات الصحية من تتبع أماكن ظهور أحدث لإصابات.وعلى الرغم من إصرار تشيونج على اتباع هونج كونج سياسة "الرفع والقمع"، ولكنها لم تتبع سياسات صارمة مثل الإغلاق الكامل حتى مع استمرار ارتفاع عدد الإصابات.
"قيود شديدة الصرامة"
ولكن الأمور لم تسر على هذا النحو في أستراليا، حيث فرضت ولاية فيكتوريا قيودًا صارمة، ولكنها مع ذلك تكافح للسيطرة على الأوضاع وتقليل أعداد الإصابات. وتدعو الحكومة الأسترالية المواطنين بالصبر، وأكد الخبراء على أهمية استمرار الإغلاق.إلا أن الإجراءات الأكثر قمعًا وصرامة كانت في فيتنام، قالت (سي إن إن) إن الحكومة بدأت يوم الاثنين إجلاء نحو 80 ألف سائح من مدينة دا نانغ، وسط البلاد، بعد تأكد إصابة ثلاثة من السكان بالفيروس التاجي.يُنظر إلى فيتنام باعتبارها نموذج يُحتذى به في احتواء الفيروس التاجي، وأرجعت سي إن إن الأمر إلى الإستراتيجية الصارمة للفحص المبكر للركاب في المطارات، وبرنامج الحجر الصحي وتتبع الإصابات. لم تبلغ فيتنام عن وفيات جراء كوفيد-19، وأكدت إصابة 431 حالة فقط، وفقًا لتقرير جامعة جونز هوبكنز.أوضحت سي إن إن، أن حتى دول آسيا والمحيط الهادئ، أصحاب أفضل استراتيجيات للتعامل مع الفيروس التاجي، لن يستطيعوا إبقاء الفيروس تحت السيطرة طوال الوقت، لاسيما مع استمرار انتشاره في أماكن أخرى بالعالم حتى يتوفر اللقاح.حتى مع ارتفاع عدد الإصابات، لفتت سي إن إن إلى أن عدد الحالات في أستراليا وهونج كونج واليابان ليست مؤسفة كما هي في الولايات المتحدة والبرازيل، اللذان لا يزالا يتعاملان مع الموجة الأولى من انتشار الوباء، ولم يتبعوا القواعد والتدابير التي أوصى بها الخبراء منذ فترة طويلة.ورغم أن ارتفاع درجة الحرارة في شهر يوليو يعطي انطباعًا بأن فصل الشتاء بعيدًا للغاية، ولكنه قادم. يتوقع العلماء- حسب سي إن إن- أن الدول في حاجة ماسة للاستعداد لارتفاع محتمل في أعداد الإصابات بفيروس كورونا، والتي من المُرجح أن تكون أكثر خطورة من الموجة الأولى، إذ يدفع الطقس البارد الناس إلى قضاء فترات طويلة في المساحات المُغلقة والتي غالبًا ما تكون سيئة التهوية، علاوة على أن العوامل والظروف البيئية في فصل الشتاء تساهم في انتشار الفيروس بسهولة.لكن الآمال تلوح في الأفق مع تطور عشرات اللقاحات ضد فيروس كورونا والانتقال إلى مراحل أكثر تقدمًا في التجارب. قال الدكتور أنتوني فاوتشي، خبير الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، أمس الاثنين، إنه إذا أصبح أحد هذه اللقاحات فعالاً وجرى إنتاج عدد كاف منه، فيمكننا وضع حدًا لهذه الجائحة أخيرًا.
قد يهمك ايضا
الصحة العالمية تؤكد أنه لا دليل على أن فيروس كورونا موسمي
أرسل تعليقك