على الرغم من الجهود الكبيرة التي بُذلت لتدمير العديد من الوثائق والمستندات التي يمكن أن تشكّل أدلّة دامغة على الجرائم التي ارتُكبت في سوريا خلال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد، أكّد المحققون التابعون للأمم المتحدة أنّه لا تزال هناك كميات كبيرة من الأدلة التي لم تُمس وظلّت سليمة.
وقد كشف هاني مجلي، وهو عضو في لجنة التحقيق الأممية الخاصة بسوريا، عن أنّ البلاد ما زالت تحتوي على كمّ هائل من الأدلة التي يمكن أن تسهم في تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والفظائع التي ارتُكبت. وأوضح أنّ اللجنة، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها في الوصول إلى الوثائق والمعلومات، على قناعة بأنّ سوريا لا تزال تزخر بالكثير من الأدلة التي لم يتم العبث بها، ما يفتح المجال أمام جهود قضائية مستقبلية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والمعارضين للنظام السابق.
لكن مجلي لم ينكر حقيقة أنّه منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر، حصلت عمليات تخريب واسعة شملت إتلاف وإحراق العديد من الوثائق والمستندات الرسمية، وخصوصًا في السجون والمعتقلات السرية التي كانت تُستخدم لاحتجاز المعارضين السياسيين وتعذيبهم. وأشار في حديثه إلى الصحفيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة، بعد زيارته الأخيرة إلى دمشق، إلى أنّ هناك مواقع عدة تم استهدافها بعمليات تدمير متعمّد للأدلة، حيث سُجّلت عمليات حرق وإخفاء لملفات في أماكن كان يُشتبه في أنها تحتوي على وثائق تدين مسؤولين سابقين في النظام السوري.
من بين أبرز هذه المواقع، كان سجن صيدنايا سيئ الصيت، الذي اعتُبر رمزًا للفظائع التي شهدتها البلاد، حيث تمّ تنفيذ عمليات إعدام جماعية خارج إطار القانون، إضافة إلى ممارسة أساليب تعذيب وحشية بحق المعتقلين. وأوضح مجلي أنّه بعد سقوط الأسد، أصبح هذا السجن شبه خالٍ من الوثائق التي كانت موجودة بداخله، ما يشير إلى عمليات تدمير مقصودة لأدلة كان يمكن أن تُستخدم في محاكمات مستقبلية.
لكن في المقابل، أكّد مجلي أنّ الدولة السورية في ظل حكم الأسد كانت تعمل وفق نظام شديد البيروقراطية، ما يعني أنّ هناك احتمالات كبيرة لوجود نسخ احتياطية من معظم الوثائق الرسمية في أماكن أخرى غير التي تم تدميرها. وهذا يبعث الأمل في إمكانية الوصول إلى بعض الأدلة التي يُعتقد أنّها لا تزال محفوظة في منشآت حكومية أو أماكن غير معلنة. كما أشار إلى وجود عدد من المباني التي لم تتعرض للتدمير، والتي قد تحتوي على مستندات وملفات يمكن أن تسهم في كشف الحقيقة حول الجرائم والانتهاكات التي وقعت على مدار سنوات النزاع.
من جانبها، شدّدت لين ويلشمان، وهي زميلة مجلي في لجنة التحقيق، على أنّ السلطات الجديدة في سوريا تبذل جهودًا واضحة لضمان الحفاظ على الأدلة وعدم تعرّضها لمزيد من العبث، ما قد يساعد مستقبلاً في إجراء محاكمات عادلة وضمان المساءلة عن الجرائم التي وقعت. كما أكّدت على أهمية توثيق كلّ ما يمكن العثور عليه من معلومات ووثائق، بهدف منع تكرار الفظائع التي شهدتها سوريا خلال السنوات الماضية.
وأضافت ويلشمان أنّه من الضروري أن يُبذل المزيد من الجهود في المستقبل للتحقيق في كل ما حدث، والعمل على توثيق الشهادات وجمع أكبر قدر من الأدلة الممكنة، وذلك لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. وأشارت إلى أنّ المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن أن تتم إلا بعد كشف الحقيقة كاملة بشأن ما جرى في سوريا، ما سيساعد الشعب السوري بكل مكوناته على المضي قدمًا نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.
ويُذكر أنّ لجنة التحقيق الأممية كانت تحاول منذ سنوات عديدة الدخول إلى سوريا، غير أنّها كانت تواجه رفضًا متكررًا من قبل النظام السابق، ما أجبرها على الاعتماد على التحقيقات عن بُعد وجمع الأدلة من خلال الشهادات والمصادر الخارجية. إلا أنّ التطورات الأخيرة وسقوط الأسد المفاجئ أتاحا لها فرصة الدخول إلى البلاد لأول مرة، ما منحها القدرة على إجراء تحقيقات ميدانية، وتقييم حجم الأدلة المتبقية، ومراقبة الجهود المبذولة للحفاظ عليها.
ومع استمرار عمل اللجنة، يبقى السؤال الأهم حول مدى إمكانية تحقيق العدالة الكاملة، وما إذا كانت الجهود الدولية ستنجح في الوصول إلى جميع الأدلة المطلوبة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت خلال النزاع السوري الطويل.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أبرز محطات حياة الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم إلى سقوط النظام
أبرز ردود الفعل الداخلية والخارجية على سقوط نظام الأسد
أرسل تعليقك