تساءل الكاتب الأميركي توماس فريدمان عن مدى ضرورة دخول أمريكا في حرب ضد تنظيم "داعش".
وقال فريدمان في مقال نشرت صحيفة (نيويورك تايمز)، "إن الرئيس باراك أوباما اتخذ قرار قيادة الائتلاف للنيل من داعش وهو في شك مريب، وكيف لا ؟ وقدرتنا على المثابرة مبهمة، وعدونا همجي، وحلفاؤنا الإقليميون يمارسون الازدواجية، وحلفاؤنا الأوروبيون غير مؤثرين، والعراقيون والسوريون الذين نحاول إغاثتهم منقسمون على أنفسهم - لا يوجد في إطار الصورة مصدر واحد باعث على الثقة".
ورصد الكاتب بعض أوجه الازدواجية، مشيرا إلى أن السعودية بصدد المساهمة في تدريب جنود الجيش السوري الحر، وفي ذات الوقت هي تعتبر إحدى أكبر مصادر الجهاديين المتطوعين في سوريا.. ولفت فريدمان إلى سماح تركيا للجهاديين الأجانب بالخروج والدخول من وإلى سوريا، إلى جانب كونها سوقا مهمة للنفط الذي هربه تنظيم داعش من العراق مقابل النقد.
ونوّه عن قيام إيران بتزويد شيعة العراق بالمتفجرات الخارقة للدروع التي استخدمها هؤلاء في إخراج أمريكا من بلادهم، كما شجعت إيران قادة الشيعة على تجريد السُنة العراقيين قدر المستطاع من القوة والمال الأمر الذي عجّل باشتعال ثورة السُنة في العراق.
وعن الرئيس السوري بشار الأسد، يقول فريدمان إن بشار تعمد السماح لتنظيم داعش بالظهور حتى يقول للعالم إنه ليس المدان الوحيد بعمليات قتل جماعي في سورريا.. أما قطر، فهي بحسب الكاتب تبدو مع أمريكا أيام الاثنين والأربعاء والجمعة، وضد أمريكا أيام الخميس والثلاثاء، ولحسن الحظ ترتاح أيام الآحاد.
أما في أمريكا نفسها، فإن أوباما يعرف أن أعضاء حزبه والحزب الجمهوري ممن يحضّونه الآن على ضرب داعش هم أنفسهم أول من سيتخلون عنه حال التورط أو الفشل أو الخطأ بقصف دار لرياض الأطفال على سبيل المثال.
ثم تساءل فريدمان عن الدافع وراء قرار الرئيس أوباما المضي قدما على هذا الطريق إذا كان المشهد كذلك.. وقال "إن الدافع خليط من قلق جيوستراتيجي مشروع، واستطلاعات الرأي".
وأوضح الكاتب أن توطيد الدواعش لأركان دولتهم في قلب العراق وسوريا ينذر بتهديد مناطق معتدلة مثل كردستان والأردن ولبنان، وقد يأتي يوم تزداد فيه قوة داعش بحيث يستطيع إلحاق الضرر بالغرب بشكل أكثر مباشرة، هذا بخصوص القلق الجيوستراتيجي.. أما ما يتعلق باستطلاعات الرأي، فإن أوباما ولا شك تشجع للمضي قدما على هذا الدرب بعد التحول المفاجئ في الرأي العام في أعقاب نشر تنظيم داعش لفيديوهات تصور ذبح اثنين من الصحفيين الأمريكيين.
وتساءل فريدمان عن حجم فُرَص نجاح خطة أوباما في هذا الصدد في ظل تلك المعطيات.. وقال الكاتب الأمريكي إن ثمة حاجة إلى الوضوح تماما قبل قيادة حملة ضد داعش فيما يتعلق بمعرفة عمّن نحارب بالنيابة؛ فتنظيم داعش لم ينشأ مصادفة ولم يأت من لامكان.. إنه ثمرة حربين أهليتين اندحر فيهما مسلمو السٌنة، إحدى تلك الحربين هي الحلقة المفرغة في سوريا التي قتلت فيها قوات النظام العلوي الشيعي مدعومة من إيران، نحو مائتي ألف شخص كثير منهم من السُنة، والأخرى هي الحرب العراقية التي جردت حكومة نوري المالكي المدعومة من إيران، السُنة العراقيين من سلطاتهم ومواردهم.
ورأي صاحب المقال أنه لن يقوم استقرار ذاتي قادر على البقاء ما لم توضع نهاية للحروب الأهلية ويتم إرساء قاعدة لنُظم حكم عادلة ومواطَنة.. ولن يستطيع العرب والمسلمون عمل ذلك إلا بإنهاء حروبهم الطائفية ونزاعاتهم القبلية.
وقال فريدمان لطالما رأينا خطأ أن المشكلة تكمن في "التدريب"، بينما المشكلة الحقيقية تكمن في "طريقة الحُكم" – لقد أنفقنا مليارات الدولارات في تدريب جنود عراقيين لاذوا بالفرار أمام الدواعش ليس لافتقارهم للتدريب الكافي وإنما لمعرفتهم أن قادتهم من الضباط لم يحصلوا على رُتبهم وشاراتهم عن جدارة واستحقاق وإنما لأن النظام فاسد، ولمعرفتهم كذلك أن حكومة المالكي لم تكن تستحق الدفاع عنها.. كما تناسينا في أمريكا مدى احتياج وتطلع الشعوب العربية الثائرة إلى نُظم حُكم نزيهة وعادلة.
وأكد فريدمان أن هذه الحرب ثنائية الجبهة: داعش هو العدو الظاهر، بينما الطائفية والفساد في العراق وسوريا هما العدو الباطن.. وقال إنه يتعين ويمكن النيل من العدو الظاهر لكن يجب أولا على العراقيين والسوريين –سُنة وشيعة- أن يجابهوا العدو الباطن بصدق.
وشدد الكاتب على ضرورة اتفاق السنة والشيعة في البداية قبل أيّ تصعيد بقيادة أمريكية، وإلا فإن تنظيم داعش سيصور أمريكا على أنها مُحرّض ومُغّلب لكفة طائفة على أخرى.. وأوضح فريدمان أنه يتعين على الشركاء العرب المسلمين أن يتحدوا حتى تكون حربا بين المسلمين سُنة وشيعة مدعومين بقوة جوية أمريكية على جانب، والدواعش الهمج على الجانب الآخر.. هكذا سيخسر الدواعش الحرب.
أما إذا بدا الأمر وكأن أمريكا تدعم الشيعة والعلويين ضد السُنة في العراق وسوريا، وهو ما سيحاول تنظيم داعش بكل ما أوتي، تصويره على شبكات التواصل الاجتماعي، عندئذ سيكسب الدواعش الحرب.
واختتم فريدمان بالقول إن المسألة لا تتعلق بأمريكا وأوباما كما دأبنا على القول.. إنها تتعلق بالعرب المسلمين وبتطلعاتهم.. إنها عن منطقة الشرق الأوسط متعددة الأطياف المفتقرة رغم ذلك إلى التعددية وتحتاج إلى معرفة كيفية التوافق وتقبّل الآخر في القرن الحادي والعشرين.
نقلًا عن " أ ش أ"
أرسل تعليقك