تشير المؤشرات الأولية الى اكتساح حزب اليسار المعارض "سيريزا" للانتخابات المبكرة التي تشهدها اليونان ليعزز بفوزه موجة جديدة من التمرد على الأحزاب السياسية التقليدية والاتحاد الأوروبي،قد تجتاح أوروبا، وما اليونان إلا البداية أو أولا.
فبعد أن كان غالبية الأوروبيين وبالتحديد 52 في المئة في عام 2007 يثقون بالإتحاد الأوروبي، فإن هذه النسبة قد انخفضت الآن إلى نحو 33 في المائة .
وفي اليونان إذا ما حقق اليسار الراديكالي "سيريزا" فوزا في هذه الانتخابات فإن الحزب الفائز سيشكل الحكومة الجديدة بدعم من حزب "اليونانيين المستقلين" الذي حصل على 13 مقعدا، وهو يتبنى بدوره خطابا مناوئا لسياسة التقشف والإملاءات الأوروبية ما يجعله الأقرب للانضمام إلى حكومة حزب سيريزا بزعامة أليكسيس تسيبراس الذي اشترط في خطابه على أن "مستقبل اليونان في أوروبا يعتمد على إلغاء سياسة التقشف التي فرضت على اليونان"
وجاءت هذه الانتخابات بعد أن فشل البرلمان اليوناني خلال ثلاث جولات بالتصويت في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وفي مثل هذه الحالة يقضي التشريع بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
ويطالب ائتلاف اليسار "سيريزا" وهو اسم يعني "نحو الجذور"، باستقلال اليونان عن منطقة اليورو في حين يرفض حزب المحافظين الحاكم المنافس هذا الاقتراح، ويدعو إلى اعتماد البرنامج التقشفي وجدولة ديون اليونان.
ويرفض حزب "سيريزا" سياسة التقشف ويطالب بإعادة هيكلة ديون البلاد، ويعتبر عمليات الخصخصة التي حصلت في اليونان خلال السنوات الأخيرة بأنها لم تساهم في التقليص من المديونية، بل خدمت مصالح فئات معينة، في حين ترفض دول في منطقة اليورو إعادة التفاوض بشأن الديون اليونانية في حال فوز حزب "سيريزا" اليساري بالانتخابات التشريعية.
ورجح أليكس ستوب رئيس الوزراء الفنلندي في تصريحاته بالمنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" المنعقد في سويسرا حاليا، أن تواجه اليونان أحد ثلاثة أوضاع في المستقبل، إما أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه أو أن تشهد فترة من عدم الاستقرار يتم خلالها التفاوض على ملحقات الديون أو أن ينتهي بها الأمر بالخروج "بشكل مهين" من منطقة اليورو.
وقالت كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي إن الانسحاب من منطقة اليورو سيكون له تأثير كارثي على اليونان، مشيرة إلى أن هذا الأمر ليس مسموح به وفقا لقواعد منطقة اليورو.
وبداية عام 2001 انضمت اليونان إلى منطقة اليورو ،وحينها اعتمدت اليورو كعملة رسمية بدلا من "الدراخما" عملة اليونان تاريخيا.
أما اسبانيا على سبيل المثال ايضا لديها نسختها من حزب سيريزا اليساري اليوناني هو حزب بوديموس الذي فاجأ الجميع بفوزه بخمسة مقاعد في انتخابات البرلمان الاوروبي.
وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدمه الآن على جميع الأحزاب الأخرى في اسبانيا، كما افادت صحيفة الديلي تلغراف. وإذا كانت منطقة اليورو تتحمل انسحاب بلد مثل اليونان فإن رحيل اقتصادات أكبر مثل اسبانيا أو ايطاليا سيوجه ضربة الى العملة الاوروبية لن تشفى من آثارها.
ويرى الناخبون في بلدان مثل فرنسا وايطاليا واسبانيا أن الأحزاب التقليدية تدافع عن مؤسسات الاتحاد الاوروبي وعملته اليورو، لكنها تتقاعس عن تمثيل مصالح شعوبها.
أما إيطاليا فقد كانت بدأت رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي حوالي منتصف العام الماضي 2014، بـ "اشتباك" مع ألمانيا، على خلفية برنامج طموح لماتّيو رينزي رئيس الحكومة الإيطالية هدفه الالتفاف على القواعد الصارمة التي فرضتها ألمانيا منذ بداية الأزمة المالية - الاقتصادية في القارة العجوز، والتأسيس لمحور جديد يلمّ شمل القوى اليسارية الأوروبية المتراجعة منذ سنوات، أمام الليبرالية الجامحة التي يخشى كثيرون أن تطيح المشروع الأوروبي.
ومع ذلك فإن رينزي كان يدرك صعوبة المواجهة مع ألمانيا القوية اقتصادياً، والمفاجآت التي قد تخبّئها الرمال المتحركة للسياسة الداخلية الإيطالية.
وفي بريطانيا وهولندا والسويد والدنمارك اصبحت الهجرة هي المحك لاختبار حكومات هذه البلدان وتمثيل مصالح شعوبها.
ولم تخلو المانيا أيضا من ظهور تصدعات في صرح النظام السياسي الاوروبي القائم على الاتحاد الاوروبي ومؤسساته.
وهناك فرص كثيرة يمكن أن تتيح للأحزاب المتمردة القيام باستعراض مماثل لعضلاتها،فبعد الانتخابات اليونانية ينتظر أن تجرى هذا العام انتخابات عامة في بريطانيا والدنمارك وايستونيا وفنلندا وبولندا واسبانيا، ويتوقع اجراء انتخابات مبكرة في ايطاليا.
ويرى مراقبون أن اليونان، حيث فاز اليسار الراديكالي على اساس برنامج ضد التقشف، ليست إلا البداية أو أولا. وأن من شأن هذه النتيجة أن تشجع الناخبين المستائين في دول أوروبية أخرى على رفض املاءات المفوضية الاوروبية والبنك المركزي الأوروبي.
وعلى الجانب الأخر فإن اتخاذ مثل هذه الخطوات وخروج دول مثل اليونان واسبانيا وايطاليا من منطقة اليورو سيؤدي إلى انهيار وتفكك المنطقة مخلفة وراءها دولا متنافسة غير مستقرة بعد أن كانت في طريقها لمزيد من الوحدة السياسية والمالية لتصبح أشبه بدولة واحدة كبيرة في اتحاد تام تقريبا.
ويرى بعض المحللين السياسيين أن ذلك قد يؤدي ايضا لتهميش القارة بشكل متزايد مع بزوغ نجم القوى الناشئة - ليس فقط دول بريك التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين لكن دولا أخرى أيضا مثل تركيا واندونيسيا وجنوب أفريقيا.
المصدر : سبأ
أرسل تعليقك