طوكيو - علي صيام
كشفت الدكتورة ناهوكو تيكيوما من معهد الرئيسيات في جامعة كيوتو في اليابان أن عداء إناث قرود البونوبو للذكور يعد أمر بالغ الأهمية للذكر، مشيرة إلى واقعة تجمع ثلاثة من إناث القرود لدرء عدوان أربعة من الذكور، وبينما نجح ثلاث في الهرب إلا أن الإناث أمسكت بالذكر الرابع وقطعوا أحد أصابع قدميه، حيث تستجيب إناث القرود البالغات إلى استفزازات الذكور مثل المبادرات الجنسية غير المرغوبة والنزاع على الغذاء والركل والتهديد من خلال تشكيل تحالفات من اثنين أو أكثر من الإناث للاشتراك في عقاب الذكر، ومن الأمور الملحوظة تعاون إناث البونوبو معا رغم غياب أي روابط دم أو حتى صداقة وثيقة، حيث تترك إناث البونوبو مكان ولادتها قبل سن البلوغ للبحث عن مكان آخر، ما يعني أن كافة الإناث البالغات في مجتمع البونوبو ليسوا ذوي قربى، ونادرا ما تتحالف إناث البونوبو مع صديقاتها التي تقضي معهم معظم وقتها، وبدلًا من ذلك وجد الباحثون أن تكوين التحالفات يتم عندما تتدخل الأنثى العليا وتتخذ جانب أحد الأقران الصغار المحاصر في صراع مع ذكور مقيمين.
وتضيف هذه النتائج مزيد من العمق والتعقيد لفهم القرد الكبير ذو العيون السوداء "بان بنيسكس" الذي يعيش فقط في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومعرض للخطر بشكل كبير، وتعد قردة البونوبو شقيقة الشمبانزي من نوعية Pan troglodytes ويشترك النوعان في كونهم الرئيسيات الأقرب للبشر، إلا أن القردة اتبعت مسار سلوكي مختلف، حيث يهيمن الذكور على مجتمع الشمبانزي ويتميز بروابط قوية بين الذكور وعلاقات ضعيفة بين الإناث، وعلى النقيض في مجتمع قردة البونوبو تسود الصداقة بين الإناث بينما تضعف الروابط بين الذكور، وأضاف ايمي باريش أستاذ الرئيسيات في جامعة جنوب كاليفورنيا " الإناث تدير المشهد".
وأشارت الأبحاث الحديثة إلى أن طبيعة قردة البونوبو تتحول تبعا للظروف وبخاصة عند ردع تحرش الذكر، وتابع جون سيلك أستاذ الرئيسيات في جامعة ولاية أريزونا " أعتقد كثيرا أن قردة البونوبو يجلسون حتى وقت متأخر من الليل ويقرؤون أوراق عن الرئيسيات ثم يفعلون العكس، إنهم غير عاديين في نواحي كثيرة"، وتشتهر قردة البونوبو بفرط الرغبة الجنسية فضلا عن استخدامهم للجنس باعتباره حل يحقق جميع الأغراض للمشاكل، وعلى سبيل المثال عندما يحصل البونوبو على قطعة فاكهة كبيرة وترتفع حدة التوتر على أولوية التغذية فإنه يفرك أعضاءه التناسلية، وتحدث هذه الأفعال مع الذكور والإناث, والذكور والذكور, والإناث والإناث وبين الشباب والبالغين أيضا.
وتستخدم إناث البونوبو في غابة لوكوتيل في الكونغو إيماءات معينه للتعبير عن رغبتها في علاقة بين أنثى وأنثى وفقا لتقرير العام الماضي بواسطة باميلا دوغلاس وليزا موسكوفيتشي من معهد ماكس بلانك للعلم التطوري في ألمانيا، حيث تقوم الأنثى بالإشارة إلى الوراء نحو التورم الجنسي لديها ثم تقوم بهز ساقيها ، وتضيف باربرا فروث باحثة البونوبو في الجمعية الملكية لعلوم الحيوان بلجيكا " إنها حالة إقرار، وهنا تقول الأنثى للطرف الآخر أعلم أنك أعلى رتبة مني وأنك متوافق ولكن أود الجلوس بالقرب منك وربما مشاركتك غذائي"، وأشار فرانسيس وايت أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة ولاية أوريغون إلى أن البونوبو يستخدمون قبلة اللسان ويمارسون الجنس عن طريق الفم، وشاهد وايت ذات مرة أنثى تستخدم عصا بشكل عقدي لتحفيز نفسها، مضيفا " إنهم ليسوا أصدقاء للأسرة دائما".
وأفادت الدكتورة باريش التي درست قردة البونوبو في الأسر أنها شاهدت ذرية الإناث المهيمنة تمارس سلطتها على الإناث الأقل سلطة حيث يبقون أفواههم مفتوحة ويستخرجون الطعام من أفواههم، وأشارت باريش إلى حادث هجوم اثنين من الإناث على ذكر في حديقة حيوان شتوغارت في ألمانيا وقطعوا قضيبه نصفين، مضيفة " من حسن الحظ أنه يمكن الاعتماد على الجراحات الدقيقة في الحديقة لإصلاح الضرر ومعالجة الذكر ليتمكن من التكاثر لاحقا"، إلا أن قردة البونوبو أقل عنفا من الشمبانزي، وتستفيد أنثى البونوبو من حياة الأخوة، بينما لا يمكن لأنثى الشمبانزي انتقاء شريك حياتها بين الذكور المتاحة لكنها يجب أن تتزاوج مع جميعهم، ولكن تستطيع إناث البونوبو رفض الخاطبين دون خوف على حياتهم، ويعد قتل الرضع شيء شائع بين الشمبانزي ولكن لم يُسمع به بين البونوبو.
وتساءل الباحثون عن كيفية بدء روتين التضامن بين الإناث، حيث يبقى ذكور الشمبانزي في منزلهم الأصلي ولذلك فعلاقات الذكور تبنى على أساس صلة القرابة، بينما تحاط أنثى الشمبانزي بغير الأقارب في مرحلة البلوغ ولذلك تبدأ في التفكير في تجربتها الخاصة، ولكن لماذا لم تتحد إناثا البونوبو هذه القاعدة ويبدؤون في التعاون مع بعضهم البعض؟ ولما لا يشكل ذكور البونوبو تحالفات مع الذكور الآخرين وهم على الأرجح أبناء عمومتهم أو أشقائهم؟، وربما أدى اختلاف الظروف البيئية إلى هذا الاختلاف السلوكي، وانطلاقا من هذه الفرضية تطورت البونوبو في منطقة يتوفر فيها الغذاء بوفرة ما يعني إمكانية تناول الطعام أمام بعضهم البعض دون لكمات، وكلما قضوا وقتا أطول في تناول الطعام كما زاد اندماجهم معا، وسرعان ما يعرضون احترامهم المتبادل ويتعاونون في مهام أخرى مثل ردع الذكور المتحرشين، بينما تطور الشمبانزي في مناخ جاف حيث كان الغذاء شحيحا وتتنافس الإناث الباحثة عن الطعام مع بعضها البعض نظرا لمحدودية السلع، وبالتالي فليس هناك وقت للصداقة.
ويخضع ذكور البونوبو أنفسهم للإناث في مجموعات وربما لا تهتم الإناث بالخروج مع الذكور ولكن لديهم سلاح اجتماعي سري وهو أمهاتهم، حيث يظل ذكور البونوبو مع أمهاتهم مدى الحياة، واقترح الدكتور وايت أن كبار الإناث تغذي العلاقة مع الإناث الأصغر سنا في مناورة توفيقية، وتابعت باريش " تسعى الأم إلى إيجاد شريكة لابنها، وبالتالي لماذا يضايق أنثى في حين أن والدته يمكن أن تفعل ذلك له"، وأوضح الباحثون أن العمل الجديد له آثار كبيرة على فهم التطور البشري والمستقبل وخاصة للنساء، وأضاف الدكتور وايت " نحن بشر على صلة بالشمبانزي والبونوبو، ولدينا المدى الكامل من اختلافهم السلوكي، فيمكن أن نكون عدوانيين مثل الشمبانزي أو إناث متحالفات مثل البونوبو"، وتابعت باريش " وجدت أنثى البونوبو طريقها للتضامن والأخوة، وهو ما يعطي أمل للحركة النسوية البشرية".
أرسل تعليقك