يعتبر القطرس من أكثر الطيور إخلاصا في حياتها الزوجية، حيث عادة ما يقترن الذكر بالأنثى مدى الحياة، ويتزاوجان الموسم تلو الآخر ما بين رحلات طيران طويلة تقطعها هذه الطيور في أعالي البحار. ورغم أن دراسات سابقة رصدت ارتفاع معدلات الطلاق بين هذه الطيور، إلا أن تلك الدراسات أرجعت أسباب هذه الظاهرة إلى التغير المناخي وما يقترن به من اختلال هرموني لدي هذه الفصيلة من الطيور التي تشتهر بعلاقاتها الاجتماعية الوثيقة.
ولكن فريقا من الباحثين من معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا ومعهد وودز هول لعلوم المحيطات في الولايات المتحدة توصل إلى وجود عامل رئيسي آخر مرتبط بحدوث الطلاق بين طيور القطرس الجوال، ألا وهو "شخصية الزوج".
ويقصد بمصطلح "الطلاق" بين الطيور أن ينفصل الزوجان ويقترن أحدهما بطائر آخر مع بقاء الزوج الأصلي في نفس السرب. وتشيع هذه الظاهرة على نطاق واسع في عالم الطيور، إلا أنها تعتبر محدودة نسبيا في أوساط القطرس.
وفي معرض الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية "بيولوجي ليترز"، ذكر الفريق البحثي أن فرص انفصال طيور القطرس تتأثر إلى حد كبير "بجرأة الزوج"، فكلما كان الذكر أكثر جرأة وشراسة، كلما تزايدت فرص استمرار "الزيجة"، وبالعكس كلما كان الزوج يتحلى بالخجل، كلما ارتفعت فرص وقوع "الطلاق". ويؤكد الفريق أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تتناول العلاقة بين الشخصية والانفصال في عالم الحيوان والطيور.
وتقول رئيس فريق الدراسة ستيفاني جينوفرير المتخصصة في مجال الطيور البحرية في معهد أبحاث المحيطات: "لقد كنا نعتقد أن الذكور الذين يتسمون بالجرأة والشراسة هم أكثر عرضة للطلاق، لأنها ستكون أكثر استعدادا للمخاطرة بتغيير شريك الحياة من أجل تحسين فرصها في التكاثر، ولكن تبين لنا أن الذكر الخجول هو الأكثر عرضة للانفصال عندما يطرده طائر دخيل أكثر قدرة على المنافسة".
وفي تصريحات لموقع "سايتيك ديلي" المتخصص في الأبحاث العلمية، أعرب الباحث ريوجياو سون من قسم أبحاث الأرض والمناخ في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا عن اعتقاده أن هذه الدراسة التي تربط بين الشخصية والطلاق في مجتمع طيور القطرس ربما تساعد العلماء في التنبؤ بمستقبل هذه الفصيلة من الطيور.
وأوضح سون أن "القطرس من الطيور المهددة، وبالتالي فإن فهم تأثيرات الشخصية على الانفصال بينها يعتبر مسألة مهمة لأنه يساعد الباحثين في التنبؤ بالعواقب المترتبة على ديناميكيات العلاقات بين أفرادها، ومن ثم بذل الجهود من أجل حمايتها والحفاظ عليها".
وتركزت الدراسة الجديدة على طيور القطرس التي تعيش على جزيرة بوسيشن بجنوب المحيط الهندي، وانصب اهتمام الباحثين على أسراب معينة كانت محل لدراسات سابقة منذ خمسينيات القرن الماضي من حيث معدلات التزاوج والانفصال على مدار سنوات طويلة. ولعل من أهم ما يميز جماعات القطرس على هذه الجزيرة تزايد أعداد الذكور مقارنة بالإناث، نظرا لكثرة سفن الصيد في المناطق التي تقتات فيها الإناث في العادة، مما يترتب عليه تناقص أعداد الإناث بسبب نفوقها جراء حوادث السقوط في شباك الصيادين.
وتقول جينوفرير: "الشيء الذي كنا نريد معرفته هو الدافع وراء حدوث الطلاق، ولماذا تميل بعض الطيور بعينها إلى الانفصال أكثر من مرة" مضيفة أنه "في حياة البشر، نرى أن نمط تكرار الطلاق عادة ما يكون مقترنا بالشخصية. وبالنسبة لطيور القطرس، فهي تعتبر من الفصائل النادرة التي نمتلك احصائية سكانية خاصة بها وكذلك بيانات بشأن سماتها الشخصية".
وقد استطاع الباحثون تحديد السمات الشخصية لطيور القطرس التي تعيش على جزيرة بوسيشن من خلال تجربة بدأت عام 2008، حيث قام الباحثون آنذاك بقياس مدى جرأة أو خجل هذه الطيور من خلال رصد استجابتها أو رد فعلها حيال البشر، حيث كان الباحثون يقتربون من أعشاش القطرس لمسافة خمسة أمتار مع قياس رد فعل الطائر أثناء الاقتراب من العش، فإذا لم يبد الطائر أي استجابة، فإنه يحصل على نتيجة صفر، بالتالي فهو الطائر الأكثر خجلا، أما في حالة إذا ما نهض الطائر أو انتفض أو رفع رأسه، فإنه يحصل على أعلى درجة بمعنى أنه الأكثر جرأة وشجاعة.
وتوصل الباحثون إلى أن اختلاف شخصية الإناث ليس له تأثير كبير على حدوث الانفصال، ولكن بالنسبة للذكور، فقد كان النمط واضحا حيث تتزايد معدلات الطلاق بالنسبة للذكور الأكثر خجلا، في حين أن الذكور الأكثر جرأة هم الأكثر قدرة على الاحتفاظ بالزوجة. وذكرت جينوفرير: "الطلاق بين طيور القطرس ليس شائعا، ولكننا وجدنا أنه كلما كان الطائر أكثر خجلا، كلما تزايدت احتمالات انفصاله عن انثاه".
وأرجع الباحثون أسباب هذه الظاهرة إلى ما يطلق عليه علماء البيئة اسم "الطلاق القسري"، ويقولون إنه في ظل تزايد أعداد الذكور عن الإناث في مجتمعات القطرس على جزيرة بوسيشن، تتزايد المنافسة بين الذكور على الإناث ، وبالتالي فإن الأزواج الذكور ربما يتعرضون لمنافسة من ذكور أخرى دخيلة تحاول أن تطيح بالزوج الأصلي وتحتل مكانه.
ويعتزم الفريق البحثي توسيع نطاق الدراسة بحيث تشمل مدى تأثير الشخصية الفردية على ارتقاء أسراب الطيور بشكل عام والتغيرات التي قد تطرأ عليها. ويقول سون: "نحن نتحدث الآن عن العلاقة بين الشخصية والطلاق على المستوى الفردي، ولكننا نريد أن نفهم تأثير هذه الظاهرة على مستوى مجموعات الطيور بشكل عام".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
التغير المناخي قد يؤدي إلى نزوح الملايين من الشرق الأوسط
التغير المناخي يكشف "أسرار" الأنهار الجليدية في جبال الألب
أرسل تعليقك