تتعرض الأهوار التي عُرفت تاريخيًا بموطن جنة عدن، وتنتمي اليوم إلى التراث العالمي للتهديد أكثر من أي وقت مضى وذلك بسبب سوء إدارة مياه الصرف الصحي فضلًا عن تغير المناخ، فمياه المجاري الثقيلة تتدفق من أنابيب الصرف الصحي مباشرة في أهوار الجبايش وهي من أهم المسطحات المائية في جنوب العراق، مهددة بتلويث البيئة الحياتية للموقع ففي بلد تفتقر فيه الدولة إلى القدرة على توفير الخدمات الأساسية، تُلقى 70 في المئة من نفايات العراق الصناعية مباشرة في الأنهار أو في البحر، وفقًا لبيانات جمعتها الأمم المتحدة وأكاديميون.
يقول جاسم الأسدي، مدير منظمة طبيعة العراق غير الحكومية التي تُعنى بحماية الأهوار: "تصب محطة مجاري المياه الملوثة الثقيلة الضارة بالبيئة في الأهوار بدون أي معالجة لها، وهذا يؤثر بشكل مباشر على تنوع الأحياء النباتية والحيوانية فيها"ويضيف "الأسدي" الذي غادر عمله في وزارة الموارد المائية ليتفرغ للعمل التطوعي لحماية البيئة: "تؤثر مياه المجاري بصورة غير مباشرة على صحة الإنسان من خلال ما يستهلكه من منتجات حيوانية تعتمد صناعتها على الأبقار والجواميس الطافية فوق مياه الأهوار، ولا سيما قشطة القيمر وهي طبق عراقي بامتياز".
من جانبه، يقول نادر محسن وهو مربي جاموس وصياد أسماك يعيش في الجبايش في محافظة ذي قار، إن "أغلب الجاموس لا يستطيع اليوم أن يشرب من الأماكن القريبة من أنابيب الصرف ويضطر لاجتياز عدة كيلومترات داخل الأهوار ليجد مياهًا غير ملوثة". ويضيف "محسن" وهو يشير إلى السمك النافق الطافي على سطح المياه: "مياه الصرف الصحي تسببت في نفوق الكثير من الأسماك وباتت تهدد كل الحيوانات التي تعتاش على مياه الأهوار".
روائح كريهة
وليس التلوث سوى واحد من التهديدات التي تعرضت لها المسطحات المائية المترامية الأطراف التي تعد أوسع دلتا داخلية في العالم فهذا الموئل الثري الممتد بين دجلة والفرات حيث ينمو قصب السكر وتعيش أنواع كثيرة من الطيور والأسماك بالكاد نجا من التدمير في عهد الدكتاتور صدام حسين الذي أمر بتجفيف الأهوار في 1991 بعد أن صارت ملاذًا لمعارضيه وأدى التجفيف إلى تقليص الأهوار إلى نصف مساحتها التي كانت تقدر بنحو 15 ألف كيلومتر مربعة في 1991 وفي عام 2010، حُكم على مسؤول سابق في النظام بالإعدام بسبب ما وصفته الأمم المتحدة بأنه "إحدى أسوأ الجرائم البيئية في التاريخ"، ولكنه مات بأسباب طبيعية في السجن العام الماضي.
وقبل بضع سنوات، ظن "محسن" وغيره من سكان الاهوار أنهم سيرون جنة عدن تزدهر من جديد. ويقدر عدد سكان هذه المسطحات المائية بعدة آلاف من العائلات المنتشرة في المنطقة الممتدة بين محافظات ميسان وذي قار والبصرة ويغلب عليها الطابع الريفي والعشائري فالمياه عادت بعد عام 2003 إلى تلك المناطق بعد إزالة السدود الترابية التي بنيت في فترة صدام، وعادت الى المنطقة أكثر من 200 نوع من الطيور وعشرات الأنواع من الحيوانات البرية.
كما بدأ السائحون، ومعظمهم من العراقيين، يتدفقون على المنطقة للقيام بجولات في القوارب وتناول السمك المشوي لكن الروائح الكريهة المتدفقة من مياه الصرف الصحي تدفع الناس إلى تجنب المنطقة حاليًا، فيما تقول السلطات المحلية إنها لا تتحمل وحدها مسؤولية عدم معالجة مياه الصرف وتقول السلطات إن السكان يقومون بإجراء وصلات غير قانونية لأنظمة تصريف مياه الأمطار لأنها غير متصلة بنظام الصرف الصحي، بينما لا تقدم الحكومة الأموال اللازمة لمجلس المحافظة لبناء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي.
التغير المناخي خطر داهم
ويقول مدير مجاري ذي قار المهندس حيدر رزاق إن "سبب عدم وجود وحدات معالجة لمحطات الصرف الصحي يعود الى كلفتها المالية العالية.. فنحن نحتاج الى نحو 100 مليار دينار عراقي (69 مليون دولار)" ويضيف: "يوجد لدينا الآن مشروعان لمحطات المعالجة، أحدهما كان يفترض أن يبدأ العمل منذ العام 2015 لكن لم يتحقق ذلك بسبب الأزمة المالية".
لكن "الأسدي" الذي عمل مؤخرًا مع خبراء أوروبيين وأمريكيين لإيجاد حل لهذه المشكلة، يقول إن الحل بسيط وطبيعي "ويكمن في استخدام النباتات لتنظيف مياه الأهوار عبر تقنية تسمى التكنولوجيا النباتية. لكن السلطات للأسف لم تعر تلك المقترحات أي اهتمام" وأضاف أنه عندما أدرجت اليونسكو الأهوار في قائمة التراث العالمي في عام 2016، "تعهد العراق بالحفاظ على النظام البيئي وتقديم خدمات وظيفية لمجتمعات الأهوار" ولكن اليوم، وفي حين تصنف الأمم المتحدة العراق على أنه "خامس دولة في العالم معرضة لتهديدات" التغير المناخي، لم تعد إعادة تأهيل الأهوار مسألة مهمة للحفاظ على التراث، بل هي مسألة بقاء.
فقد حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019 من أن "التغير المناخي من المتوقع أن يقلل هطول الأمطار السنوي في العراق، مما سيؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وانخفاض الإنتاجية الزراعية وزيادة ندرة المياه"، ومع كل صيف حارق، تقترب البلاد من هذا الواقع المرير ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه في عام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنويًا، مضيفًا أنه بحلول عام 2025، ستنخفض تلك الكمية إلى 1750 مترًا مكعبًا، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى البعيد، فضلاً عن تهديد صحة سكانها البالغ عددهم 40 مليون نسمة.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
"التكيف والمرونة" سبيل الصمود لمواجهة تغير المناخ
7 حلول إماراتية رائدة لمواجهة التغير المناخي
أرسل تعليقك