لندن - العرب اليوم
لا تشعر “ألكو” بالانزعاج من أصوات الكاميرات التي تلتقط صورتها من دون توقف، وتجلس نمرة الثلوج في استرخاء تحت أشعة الشمس على مسافة أمتار قليلة من السور الذي يحتشد وراءه قرابة 40 مراسلا صحافيا، وعندما تنال كفايتها من الاستجمام، تعود إلى المأوى الذي تعيش فيه وهي تعرج على ثلاثة أرجل، وفقدت ألكو ساقها الأمامية عام 2002 عندما تم إنقاذها من أحد أفخاخ الصيد، وبترت الساق بعد أن قبضت عليها الأسنان الحديدية الخاصة بالفخ، ومنذ ذلك الحين، تعيش نمرة الثلوج في المأوى الذي تحيط به السياج، وتبلغ مساحته سبعة آلاف متر مربع والمملوك لمنظمة الاتحاد الألماني للطبيعة والتنوع البيولوجي والحفاظ على الموارد البيئية “إن إيه بي يو”، ويقع في منطقة إيسياك كول في قرغيزستان.
واستقبلت ألكو الكثير من الزائرين أخيرًا، حيث توافد الصحافيون من شتى أنحاء العالم إلى قرغيزستان لحضور المنتدى الدولي لنمور الثلوج والنظام البيئي، وهو قمة دولية تتركز على كيفية حماية نمور الثلوج، وتعتبر زيارة محل إقامة النمرة ألكو من أهم فعاليات برنامج القمة، واجتذبت القمة التي انعقدت في بيشكيك عاصمة قرغيزستان أكثر من 250 عالما ومتخصصا في مجال حماية موارد البيئة، فضلا عن ممثلين من الدول الآسيوية التي تعتبر جبالها بيئة طبيعية لنمور الثلوج، مثل أفغانستان والصين والهند ونيبال وباكستان وروسيا، وقال رئيس قرغيزستان ألمظ بك أتامباييف في كلمة له: “نحن جميعا متحدون في رغبتنا لحماية نمور الثلوج وزيادة أعدادها”، ولكن نمور الثلج هي أكثر من مجرد فصيلة مهددة بالانقراض، فهذا القط الكبير بديع الشكل أصبح رمزا عاما للأنظمة البيئية التي تتهددها المخاطر في الجبال الآسيوية.
ويقول ماتياس فايشتر من “صندوق نمور الثلوج” وهو منظمة غير حكومية أميركية: “اليوم لم يعد الأفراد هم الذين يشكلون أكبر خطورة على نمور الثلج، بل البشرية جمعاء”، وتراجع ترتيب أنشطة الصيد على قائمة المخاطر التي تهدد نمور الثلج، وحل بدلا منها أعمال تدمير البيئة الطبيعية لهذا الحيوانات عن طريق الرعي الجائر والتلوث والمشروعات الإنشائية، وعلاوة على ذلك كله يأتي تغير المناخ، ويقول ريان بارتليت، وهو خبير في مجال المناخ، من الصندوق العالمي للحياة البرية “دبليو دبليو إف”، إن السلاسل الجبلية مثل الهيمالايا وقراقورم وبامير تتأثر بالتغير المناخي بصفة خاصة، فالأنهار الجليدية تنكمش، وأنماط سقوط الأمطار أصبحت متغيرة وغير مستقرة.
ويرى بارتليت أن “وجود الجنس البشري ذاته أصبح محل تهديد”، مضيفا أن الفرائس التي تتغذى عليها نمور الثلوج مثل الخراف الجبلية أصبحت هي الأخرى مهددة، لأنها تتنافس مع المواشي والأغنام على المراعي في بيئات يغلب عليها الجدب بشكل متزايد، ويعتقد بارتليت أنه لا يمكن حل هذه المشكلة على المدى الطويل ما لم يلتزم العالم بأسره باتفاقية باريس للمناخ التي انسحبت الولايات المتحدة منها مؤخرا، أما على المدى القصير، فمن الممكن الحد من الأضرار عن طريق التأقلم مع المتغيرات ومحاولة إيجاد الحلول، ومن بين الخيارات المطروحة، هناك ما يطلق عليه اسم الأنهار الجليدية الصناعية، وهي أبراج من الثلج تشيد من مياه الأنهار الجليدية بعد ذوبانها وتستخدم لعلاج مشكلة نقص المياه.
ويكافح البرنامج العالمي لحماية نمور الثلج والنظام البيئي “جي إس إل إي بي” أيضا من أجل حماية البيئات الطبيعية لهذه النمور، حيث يركز على اتخاذ إجراءات مثل الحماية من الصيد وتوفير التوعية البيئية والحفاظ على الفرائس اللازمة لاستمرار بقاء هذه الحيوانات الضارية على قيد الحياة، وفي عام 2013، اجتمع ممثلون عن الدول الـ12 الأعضاء في المشروع في مدينة بيشكيك لتوقيع اتفاقية، وتعهدوا بإيجاد عشرين مجموعة سليمة من نمور الثلوج على الأقل في مختلف أنحاء العالم بحلول عام 2020، وقطعوا التزاما بحماية هذه الحيوانات.
ويجري تنسيق جهود البرنامج من قاعدة في بيشكيك، حيث يعرض العالم الهندي كوستوبه شارما تقريره عن حجم التقدم الذي تم إحرازه قائلا: “لقد قطعنا نصف الطريق”، فقد حدد القائمون على المشروع 23 بيئة طبيعية لحيوانات نمور الثلوج تصل إجمالي مساحتها المسطحة إلى قرابة 500 ألف كيلومتر مربع، وهي نحو مساحة إسبانيا نفسها، وتم بالفعل وضع خطط للحفاظ على الموارد الطبيعية في هذه المناطق المحددة بواسطة قرغيزستان وباكستان ومنغوليا وبوتان ونيبال، ولكن الأموال قد تكون هي حجر العثرة أمام تقدم هذا المشروع، ومن بين 182 مليون دولار تعهدت الدول المشاركة بتخصيصها للمشروع، لم يتم جمع سوى ربع هذا المبلغ.
وتمثل منظمة “غلوبال إنفيرونمنت فاسيليتي” الممول الرئيسي للمشروع، وهي توفر المبالغ المالية اللازمة لمشروع الحفاظ على الموارد البيئية في الدول النامية، وفي محاولة لزيادة قوة الدفع، أطلقت منظمات حماية الموارد البيئية حملة والتماس تحت شعار “أنقذوا نمور الثلوج” قبل انعقاد قمة بيشكيك بدعم من نجم السينما الأميركية ليوناردو دي كابريو، ورغم أن دي كابريو لم يشارك في أعمال القمة، فإنه تم تمثيله بواسطة شريكته الممثلة الهندية ديا ميرزا، وقامت ميرزا بتسيلم الالتماس إلى حكومة قرغيزستان بوصفها سفيرة النوايا الحسنة التي تمثل الحملة، وفي ختام المؤتمر، أكدت جميع الدول المشاركة التزامها باتفاقية بيشكيك.
أرسل تعليقك