واشنطن -رولا عيسى
تعيش قرود النمس في مجموعات عائلية متماسكة ولكن تلك الحياة الوردية تتحول سريعًا إلى حرب شرسة عندما يولد عددًا كبيرًا جدًا من النسل، لدرجة أنها تخوض المعارك أيامًا طويلة لطرد أضعف أعضائها، ويطارد الآباء أبناءهم ويهاجم الأشقاء الأكبر سنًا الأخوة الأصغر.
وتعتبر قرود النمس من الثدييات الاجتماعية الصغيرة وتعيش في حشائش السافانا الأفريقية في مجموعات عائلية لمدة تصل إلى 40 عامًا، وهي معروفة بكونها حيوانات متعاونة وتحمي ذرية بعضها البعض، وتدافع عن فريقها ضد الحيوانات المفترسة أو عائلة أخرى من فصيلها ذاته، وجاء في بحث جديد أعدّه الدكتور جيسون جيلكريست من جامعة نابير ومجموعة من الباحثين في جامعة أكتسر وليفيربول جون مورز، أن لهذه الحيوانات جانب مظلم أيضًا.
وأوضح الدكتور جيسون بقوله: ليست الحياة وردية للغاية بين عائلات النمس، فالمنافسة بين الأقارب يمكن أن تسبب الطرد الجماعي، ويحدث القتال في العادة عندما يولد عددًا كبيرًا جدًا من النسل، ما يعني أن الأشقاء الأصغر سنًا يمكن أن يقوضوا نجاح الأفراد الأكبر سنًا في المجموعة، ويمكن أن تتحول عائلة سعيدة في بضعة أيام إلى ساحة معركة فوضوية بين الأقارب، ويتم حل الصراع في نهاية المطاف على يد كبار السن والأفراد المهيمنين على الجماعة بطرد الأصغر سنًا.
وتنطوي هذه الحرب الأهليّة على معارك من الصياح ومطاردة الأباء للأبناء والتصارع معهم، ومهاجمة الأشقاء الأكبر سنًا لأشقائهم الصغار، ويأخذ الأمر عدة أيام من الاضطهاد قبل طرد الأفراد الصغار أو فرارهم، وتابع الباحث "يصبح التوتر بين أفراد العائلة واضحاً ويمكن أن يكون دمويًا ومدمرًا".
ولا يعتبر الطرد السلوك الوحيد الذي تستخدمه الجماعة لتخفيف عبء المنافسة الإنجابية بل يشمل الأمر قتل الأطفال، وإجهاض الإناث الحامل في فترات التوتر لتقليل فرصة تعرضهن للطرد، واسترسل "يحب علينا الحرص على عدم الحكم على مثل هذا السلوك في السياق البشري، فالطرد والإجهاض والقتل أمور لا تستخدم كثيرًا فعادة ما تتفرق الجماعة بنجاح، ويؤدي هذا الأمر إلى إنعاش جينات هذه الحيوانات بفضل انخفاض زواج الأقارب".
ويعود سبب اكتشاف الباحثون هذه السلوكيات إلى عقود من المراقبة، وأكد دكتور جيلكريست أنه عندما وصلت الملكة إليزابيث أوغندا للمرة الأولى العام 1996 لمراقبة النمس لم يكن يتصور أن الكثير من العلماء سيواصلون مراقبتها على مدى عقدين لاحقين، ويدرس الباحثون الكثير من الأجيال الشابة من المجموعات الأصلية لحيوان النمس، وأضاف "يوفر رصد تاريخ حياة أجيال متعددة من الأفراد داخل المجموعات نظرة رائعة على البيئة التطورية للأنواع، ويعرفنا كيف تتصرف الحيوانات ولماذا، ولعل الجانب الأروع من هذه المجتمعات هي حالة التعاون ضد التهديد الخارجي، والتي توضح المودة في أيام العدوان، ففي بعض الأحيان يمكن أن يتحول أفضل صديق لك إلى أسوأ عدو، وهذا ما تعلمناه من هذه الحيوانات".
واختتم جيسون بقوله: أريد أن أتقاعد من حقل البحث الميداني ولكني سأبقى نشيطًا في مجال علم البيانات وأترك العمل للزملاء والباحثين الشباب، فكان لوقت طويل موضوع عملي الأبحاث الميدانية على وظائف ذات الحوافر في جنوب أفريقيا وغيرها من الحيوانات البرية مثل وحيد القرن والشمبانزي وفأر الليمور العناكب الاجتماعية.
وأشار بحث سابق إلى أن قرود النمس تساعد الخنازير على التخلص من القراد المزعج، فالخنزير يستلقي ويسمح لها بتنظيفه من الطفيليات العالقة على جسمه، وقال مؤلف البحث، الدكتور أندي بلومبتر "يعتبر هذا التعاون بين الثدييات المختلفة نادرًا، ويوضح التفاعل والثقة الكبيرة بين المشاركين فيه، ويجعلنا نتساءل عما يحدث بين الأنواع المختلفة ولا نستطيع أن نراه؛ لأنها تخاف أن تظهره أمامنا، فالخنازير البرية تدهشني دائمًا، ولكن ليس هناك الكثير من العلماء المهتمين بدراستها، بالرغم من أنها ذكية ولطيفة وتلعب دورًا مهمًا لمساعدة الكثير من الأنواع الأخرى.
أرسل تعليقك