في الزيارة العشرين إلى قصر الرئاسة في بعبدا، اعتذر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري، مختتما إعلانه الاعتذار بعبارة: "الله يعين البلد"، بعد إشارته إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يبد أي رغبة بالتشاور، بل رغب بتغيير جوهري للتشكيلة التي كان قد قدمها له قبل يوم.وقال: "إننا لن نستطيع التوافق"، ليغادر قصر بعبدا، ويتغير المشهد الذي كان سائدا منذ الأول من أمس.
فالجهود الدبلوماسية تكثفت في الأيام القليلة الماضية باتجاه عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية السابق جبران باسيل، وتركت بارقة أمل بإمكانية الوصول إلى تسوية.
ولم توفر هذه الجهود "حزب الله" من خلال زيارة قام بها مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل إلى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، الذي أعلن تأييد الحزب للمبادرة الفرنسية. وذلك في محاولة لطلب المساعدة في تذليل العقبات لتأليف الحكومة.
وكانت لافتة زيارة السفيرتين الأميركية والفرنسية إلى السعودية، أيضا قبل أيام، لبحث الوضع المتأزم في لبنان، مع استمرار المراوحة، طوال تسعة أشهر، في مسألة تشكيل الحكومة بعد تكليف البرلمان اللبناني الحريري بذلك.
وقبيل ساعات من تقديم رئيس الحكومة اللبناني المكلف سعد الحريري بدا الوضع أشبه بحلبة سباق بين الفوضى الشاملة، وبين معجزة الخروج من المأزق بحكومة اختصاصيين توقف الانهيار الشامل.
فقد تراجع سعر صرف الدولار حوالي ألف ليرة لبنانية مع الإعلان عن الزيارة الثانية للحريري إلى بعبدا، ليعود ويرتفع الى أرقام غير مسبوقة فور اعتذاره.
كما أن طوابير السيارات أمام محطات الوقود التي كادت ان تختفي خلال اليومين الماضيين، عادت الى ما كانت عليه، وسط خوف للمواطنين من انقطاع هذه المادة الحيوية وارفاع أسعارها في السوق السوداء.
لكن المتابع للإعلام الذي يدور في فلك "حزب الله" كان يمكنه تكهن أرجحية احتمال الاعتذار في الزيارة العشرين، التي لم تكن تختلف عن سابقاتها بعقمها وعجزها عن كسر الشلل والتراشق بالمسؤوليات بين الحريري وفريق عمل عون.
وكان عون قد تجاهل أمر التشكيلة التي قدمها إليه الحريري، مفضلا التحدث عن الطقس أمام صحافي الرئاسة، ومتهكما على الرئيس المكلف الذي تمنى عليه الرد سريعا بقوله: "بيأمر".
وفي حين نزل "الشارع السني" في بيروت وعدد من المناطق ليتظاهر ويقطع الطرق بالإطارات المشتعلة، موجها الشتائم إلى عون وباسيل، توالت التعليقات التي تعتبر أن الاعتذار أفضل من المراوحة.. و"إذا ما خربت ما بتعمر"، كما علق بعض الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته غرد المنسق العام لتيار المستقبل عبد السلام موسى بقوله: "وقد أعذر من اعتذر" في تحميل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع ألى عون وباسيل لعرقلتها مهمة الحريري.
ولم يتأخر رد الرئاسة اللبنانية على الحريري، فقد أصدرت بياناً أشارت فيه إلى أن "الرئيس عون عرض على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالباً البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الفترة الماضية من خلال مسعى رئيس البرلمان، لكن الحريري لم يكن مستعدا للبحث في أي تعديل". ليحمله بالتالي مسؤولية الاعتذار الذي "فاجأه"، كما أشارت مصادره.
وأضاف البيان أن عون سيحدد موعدا لجلسة بالبرلمان في أقرب وقت ممكن بعدما اعتذر الحريري عن تشكيل الحكومة.
ومع الاعتذار والبيان، انطلقت بورصة الأسماء المرشحة لتولي مسؤولية تشكيل الحكومة، ومن ضمنها النائب فيصل كرامي الذي كان قد أبدى استعداده قبل فترة لهذه المهمة. ومعلوم أنه يدور في فلك محور الممانعة المرتبط بـ"حزب الله" وإيران.
لكن مراقبين ومعلقين أشاروا إلى أن قبول شخصية سنية بالتكليف لن يكون أمرا سهلا، فقد تحول عدم تعاون فريق عون مع الحريري إلى أزمة مع "المقام السني الأول" في لبنان، ما سيترك آثارا ليس فقط في الساحة الداخلية، ولكن في الساحة العربية، وتحديدا بعد جهود الدبلوماسية المصرية وصمت السعودية وعدم رغبتها في القيام بأي خطوة للمساعدة السياسية، مفضلة عليها تقديم المساعدات الإنسانية إلى اللبنانيين مباشرة ومن دون المرور بالدولة وأجهزتها.
وأثار المراقبون الحساسية الخطيرة للوضع اللبناني، ما ينذر بالفوضى مع اقتراب الذكرى السنوية لجريمة تفجير المرفأ في الرابع من آب العام الماضي، ومع رفض "حزب الله" بلسان أمينه العام رفع الحصانات عن السياسيين واستدعاء المسؤولين الأمنيين.
بالتالي يمكن استثمار الاعتذار في فوضى الشارع مع أحداث أمنية متفرقة تصرف النظر عن تحرك أهالي ضحايا التفجير، وتنقل الاهتمام عنهم إلى المواجهات المرتقبة بين فريقي الحريري والتيار الوطني الحر، لا سيما أن هذه المواجهات كانت قد بدأت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يعوِّل اللبنانيون كثيرا على التدخل الدولي أو العربي، فهمومهم المعيشية تكاد تقضي عليهم، ولن يغيِّر واقعهم ممارسة الضغوط على القوى الممسكة بمصيرهم، أو فرض العقوبات على شخصيات تصنف "معرقِلة"، مع يقين بأن كل ما يحصل هو في مكان آخر، يرتبط بإبقاء لبنان ورقة في بازار المفاوضات الأميركية الإيرانية المتعلقة بالملف النووي، كما غرد أحد الناشطين قائلا: "من يرى أن المشكلة مشكلة صلاحيات بين الموارنة والسنة، فليستفيق. هناك مايسترو واحد هو الاحتلال الإيراني".
في المقابل صدر بيان عن حزب الله دعا فيه مناصريه والمنظمين لديه إلى "أخذ الحيطة والحذر.. ضبط النفس وعدم التجول بين المناطق".وذكر الحريري أنه ما حدث في السعودية في نوفمبر 2017 لم يكن "اعتقالا"، وأضاف: "لا، وأنا إنسان وفي وعائلتي هناك ولحم كتافي من السعودية".وتابع: "المملكة العربية السعودية لم تقدم للبنان سلاحا ولم تقم بـ7 آيار، السعودية أعطت السلام للبنان ولا تريد إلا الخير للبنان كما كل دول الخليج، لكن لديهم مشكلة مع فريق اسمه حزب الله".وأضاف: "إذا كان فريق 8 آذار حريصا فعلا على السعودية ليتوقفوا عن شتمها وتصدير الكبتاغون والتدخل بالشؤون العربية واليمن، ولا يجوز قولهم إن هناك مشكلة بين السعودية والحريري".
قد يهمك ايضا
الحريرى يستقبل وفدًا برلمانيًا فلسطينيًا برئاسة الزهار
سعد الحريرى مسئول عن ثقب الأوزون!
أرسل تعليقك