لم يوقظ عصف الإنفجار الدولة من كبوتها بعد. ورغم مرور 3 أسابيع على الكارثة، لا يزال أهالي العاصمة يشعرون بالغياب المريب للدولة عن مصابهم. الجيش وحده حاضر على الأرض، يضبط الأمن ويوزّع المساعدات، لكنّ بيروت بدأت تنهض على أكتاف المجتمع المدني، والجمعيات والمتطوّعين، وتلامذة الجامعات...
في اليوم الـ 17 للإنفجار، لا يزال أهالي منطقة المدوّر والكرنتينا حيث الدمار هائل، والأبنية مهدّمة بالكامل، يشكون غياب القوى الأمنية، ويؤكّدون أنّ السرقة في المنطقة مستمرّة، في غياب كامل لعين الدولة على امن المواطنين وممتلكاتهم، في ظرف استثنائي يحتاج إلى خطوات استثنائية.
يؤكّد مواطنون، أنّ السرقة بدأت منذ اليوم الأوّل لوقوع الإنفجار. ففي حين كان الأهالي منهمكين بإنتشال الجثث والأشلاء من تحت الردم والركام، كانت عصابات السرقة حاضرة لمباشرة عملها. في النهار، يسرقون ما أمكن، أما ليلاً، العمل منظّم ومتقن أكثر. يسرقون المكيّفات، قوارير الغاز، خزّانات المياه، حتّى الأدوات الكهربائية المعطّلة والمحطمة، «كل منازل الكرنتينا نُهبت بالكامل، الذهب سُرق من المنازل والمحلات، كلّ ما نجا من الإنفجار سُرق...».
يوضح الأهالي، أنّ السرقات يبدو باتت منظمة، «ففي الأيام الأخيرة، باتت تصل الى المنطقة نساء غريبات عن بيروت وعن لبنان، فيقمن بما يشبه الجولات الإستكشافية نهاراً ليدخلها السارقون ليلاً».
لا يأسف الأهالي على سرقة المساعدات على يد غرباء عن المنطقة، فهنا روايات السرقة لا تُحصى ولا تُعدّ، أصعبها تلك التي يرويها شاب ثلاثينّي، منعته إصابته البليغة في رجليه من ردع سارق دخل منزله، فسرق ما يمكن سرقته وأبى حتّى أن يقفل باب المنزل خلفه.
علاوة على كلّ ذلك، تشهد المنطقة «هجوماً واسعاً» لبائعي الحديد والخردة والخشب.
يبقى، مطلب واحد لسان حال الأهالي: «عنصر من القوى الأمنية في كلّ شارع كفيل بإبعاد السارقين، وإلّا خيار الأمن الذاتي بات الحلّ الأوحد». إذ يؤكّد الأهالي لـ»الجمهورية»، أنّه في حال لم تتحمّل الدولة مسؤولياتها، فليعذرونا، سنحمل السلاح وندافع عن ممتلكاتنا».
محافظ بيروت مروان عبود يوضح ، أنّ «الشقق متروكة، والمنازل باتت عارية من الأبواب والنوافذ، وكل يوم هناك أكثر من 200 شاب من حرس بيروت يقومون بحراسة المدينة، إلّا انّ عددهم غير كاف، وهم يخضعون لإمرة الجيش المسؤول عن الأمن في ظلّ حالة الطوارئ». ويضيف: «عناصر الحراسة يفتقدون للنوم، يعملون ليل نهار، كذلك عناصر الجيش، وهناك عمل متواصل لإلقاء القبض على السارقين. الأزمة كبيرة، نقوم بكل ما يمكننا فعله، ويبقى الحل بيد الجيش».
في المقلب الآخر، أي في الجميزة ومار مخايل والجعيتاوي والرميل.. الحضور الأمني كثيف، ليلاً ونهاراً، الجيش يقوم بدوريات مكثّفة في المحلّة، ومع ذلك يحدّثك الأهالي عن خوف بالغ يعتريهم، «فبيوتنا مشرّعة لا أبواب ولا شبابيك، والمال السائب يعلّم الناس الحرام»، أغلبية السكّان وضعوا ألواحاً من الخشب وأقفالاً حديدية، لحماية أملاكهم وأرزاقهم، «الهمّ كبير» معظم السكان من الكهّل وكبار السنّ، ومن الأمهات اللواتي هجرهن أولادهن بحثاً عن لقمة عيش، في حين نحن «بتنا نبحث عن السترة داخل منازلنا».
غياب الدولة والأحزاب
بنظر الأهالي، سقط مفهوم الدولة، ومعها عتب على «الأحزاب» التي إستغلت صوتنا في الإنتخابات، وحضورنا في التظاهرات»، هي اليوم غائبة بشكل شبه تام عن المنطقة، ما عدا بعض الخيم التي نُصبت قرب المراكز الحزبية من دون دور يُذكر.
إعادة الإعمار
وفي ظلّ غياب «الهيئة العليا للإغاثة» بحسب ما يؤكّد الأهالي، وحده المجتمع المدني والجمعيات والمتطوّعون من الشباب والشابات يعملون على الأرض، وأطلقوا عملية إعادة الإعمار.
ففي الأيام الأولى التي تلت الإنفجار، كانت أولوية الجمعيات تأمين المأكل والمشرب للأهالي، اليوم تبدّلت الأولوية، الناس لم تعد بحاجة للطعام، فالناس تريد ترميم منازلها. وعليه، بدّلت المؤسسات الخيرية أولوياتها وعملت على مسح الأضرار، وبدأت عملية الترميم.
تحاول الجمعيات اليوم أن تقدّم نموذجاً مختلفاً عن الدولة، من ناحية عملها وصدقيّتها، لذلك وضعت في سلّم أولوياتها تأمين «الزجاج»، لسدّ النوافذ والأبواب، خصوصاً أننا على أبواب فصل الشتاء، إضافة الى ترميم الأبواب الرئيسية للمنازل لحمايتها من السرقات، وتركت للمرحلة التالية مسح الأضرار الداخلية، خصوصاً أنّنا أمام عدد لا يستهان به من المنازل المدمّرة والتي بحسب الأرقام ناهزت الـ 30 ألف منزل.
في الموازاة، تعمل جمعيّات أخرى على «تبنّي» منازل مدمّرة أو مهدّدة بالإنهيار لإعادة إعمارها، كما تأمين منازل بديلة ومبالغ مالية مؤقّتة لسكّانها. هذه الجمعيات لا تتلقّى الدعم من الأحزاب السياسية، وتتكلّ بشكل رئيسي على مساعدات الجاليات اللّبنانية حول العالم. فعلى سبيل المثال، علمت «الجمهورية»، أنّ باخرة سترسو هذا الأسبوع محمّلة بنحو 500 طنّ من الزجاج مرسلة من الجالية اللّبنانية في الإمارات لإحدى الجمعيات. كذلك، بدأت عملية إستيراد الألومينيوم، والأدوات الكهربائية، وفرش المنازل، وأدوات المطبخ...
أضف الى ذلك، يبرز في المنطقة نشاط الأطباء النفسيين الذين يزورون المنازل أو ينشؤون عيادات ميدانية في الخيم.
في المقابل، الوعي والحذر مطلوبان من الأهالي، إذ يحذّر الكثيرون، من «الجمعيات المدسوسة» التي تدخل الى المنازل لأغراض مشبوهة، أو للاستفادة من التقديمات المالية. لذا، يُطرح الصوت عالياً لاتخاذ الحيطة والحذر منها.
قد يهمك ايضا :
القطاع المالي العربي يبحث ملفات عن واقع رأس المال في ظل "كورونا"
"الحالة النفسية "كارثة جديدة تعصف ببيروت بعد الانفجار
أرسل تعليقك