العاهل المغربي محمد السادس والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند
الرباط ـ رضوان مبشور
أقام العاهل المغربي محمد السادس، مساء الأربعاء، مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند برفقة زوجته فاليري ويلير، في القصر الملكي في الدار البيضاء، في لقاء ذو طابع استثنائي بحكم التاريخ المشترك والروابط الاقتصادية والثقافية والإستراتيجية التي تجمع البلدين، فيما يرى المحللون
أن باريس تواجه لعبة جذب حقيقية بين المغرب والجزائر.
وألقى العاهل المغربي خطابًا لهذه المناسبة، أكد من خلاله العلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين، مشيدًا بالمبادلات الاقتصادية التي وصفها بـ"المفعمة بروح الثقة والرصانة والانفتاح على المستقبل"، وأن البلدين سيتمكنان عن طريق توحيد الجهود وتوظيف مؤهلاتهم من تحقيق ما يتعذر بلوغه بالجهود، موضحًا أن فتح مجالات جديدة للإنتاج المشترك على غرار ما يتم إنجازه في قطاع المهن العالمية للسيارات والطيران والصناعة المتعلقة بالزراعة، سيمكن البلدين من استكشاف مصادر ووسائل عدة إضافية، والتي ينبغي استغلالها لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي.
كما أعرب الملك محمد، عن تقديره للجهود التي تبذلها فرنسا في إنجاح مختلف المشاريع والورش الهيكلية التي تنجزها في المغرب، وقال في هذا الصدد "إنني لواثق من أن الزيارة التي تقومون بها للمغرب، ستمكننا من تقوية شتى أوجه التقارب الذي يجمع بلدينا وشعبينا وترسيخها، ومما لا شك فيه أن شراكتنا ستزداد قوة وثراء في كل مجالات الأنشطة الكفيلة بتحقيق الآمال والمزيد من التقارب".
وأشاد الرئيس الفرنسي بالعلاقات المتميزة بين البلدين، والتي وصفها بأنها "تتجاوز التناوب والتغييرات الأساسية، بل تتجاوز حتى الأشخاص"، مضيفًا أن "المغرب تربطه علاقة وثيقة بفرنسا وبسكانها وبتاريخها وبلغتها، كما أن فرنسا تربطها بالمغرب علاقات متعددة إنسانية وثقافية واقتصادية، ويتقاسم بلدانا ثروة لا تقدر بثمن ألا وهي التطلع إلى مستقبلهما بالثقة نفسها من دون الحاجة إلى العودة إلى الماضي والحكم عليه"، مشيرًأ إلى أن "فرنسا لن تنسى أبدًا أن جنودًا مغاربة كانوا قد جاؤوا إلى القتال ببسالة نادرة من أجل تحرير فرنسا خلال الحربين العالميتين، ولكي لا ننسى أن الجنرال ديغول كان قد اعتبر محمد الخامس رفيق التحرير".
وتبرز أهمية هذه الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى المغرب، من خلال الوفد المهم الذي يرافقه، والمكون من 9 وزراء وأكثر من 60 رجل أعمال، بحيث تحدو المغرب وفرنسا إرادة مشتركة للإبقاء على علاقاتهما المتميزة أو ما يطلقون علية "الاستثناء المغربي الفرنسي"، فقد ظلت العلاقات المغربية الفرنسية تقدم أحد النماذج الأكثر نجاحًا في التعاون المستديم، إضافة إلى أنها تتميز بطابعها متعدد الأبعاد، من الدعم السياسي إلى الشراكات الاقتصادية، مرورًا بالمساعدات المالية إلى البحث العلمي والتعاون العسكري.
ومن المقرر أن يستقبل مساء الخميس الرئيس الفرنسي، كل من رئيس الحكومة المغربي عبدالإله بنكيران، ورئيسي غرفتي البرلمان كريم غلاب ومحمد الشيخ بيدالله، قبل أن يلقي كلمة أمام البرلمان، والذي من المفترض أن ينوه فيها بموقف المغرب من قضية مالي، حيث أكدت باريس أن "الملك محمد السادس اتخذ مواقف واضحة جدًا لمساندة التدخل الفرنسي في الجارة الجنوبية للمغرب، ودافع عنه أمام نظرائه".
وأثارت زيارة فرانسوا هولاند قبل 3 أشهر إلى الجزائر، امتعاضًا كبيرًا لدى القصر الملكي في المغرب، بحكم أن الأعراف بين البلدين تستدعي زيارة أي رئيس للجمهورية الفرنسية أولاً للمغرب قبل أي دولة أخرى، لكن دعم المغرب لمنافس هولاند على قصر الإليزيه نيكولا ساركوزي في الانتخابات الفرنسية الأخيرة، غيّر الحسابات وأشعل حربًا باردة بين القصر الملكي وقصر الإليزيه، قبل أن يتم تجاوز الأمر، وتطوى صفحة الخلاف بين المغرب وفرنسا.
وتشير باريس إلى أن العلاقات الفرنسية المغربية تبقى "كثيفة وسلسة"، مشددة على أن محمد السادس كان أول رئيس دولة استقبله فرانسوا هولاند في قصر الإليزيه في 24 أيار/مايو 2012.
وتفيد أرقام الإليزيه أن نحو 750 شركة فرنسية تعمل في المغرب، منها 36 من الأربعين شركة مسجلة في "كاك 40" (أكبر مؤشر في بورصة باريس)، وتوظف ما بين 80 ألف إلى 100 ألف شخص في المغرب.
وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، الواسعة الانتشار، أن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لكل من مدينتي الدار البيضاء والرباط، ليست لها أية حمولة رمزية أو سياسية شبيهة بالزيارة التي قام بها هولاند للجزائر في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وقالت "لوموند"، "إن باريس تواجه لعبة جدب حقيقية بين المغرب والجزائر، وتحاول أن تتفادى أن يكون لذلك حساسية لدى المغاربة، ويجب التذكير أن العاهل المغربي محمد السادس كان أول رئيس دولة يستقبله هولاند في قصر الاليزيه، بعد أيام قليلة بعد تنصيبه، عندما كان ملك المغرب يقضي عطلة خاصة في فرنسا، وأن هولاند أرسل رئيس حكومته جون مارك إيرو إلى المغرب في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أيام قليلة بعد زيارته إلى الجزائر، وأن المغرب هي الدولة التي استقبلت أكبر عدد من الوزراء الفرنسيين منذ انتخاب هولاند، وإن العلاقات المغربية الفرنسية هي أولاً لعبة توازنات مستمرة، بغض النظر عمن يحكم في قصر الإليزيه، فقد خلف الاشتراكي فرانسوا هولاند، نيكولا ساركوزي المقرب جدَا من المغرب، وإسلاميو حزب (العدالة والتنمية) المغربي يحكمون المغرب منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 للمرة الأولى في تاريخهم، ولكن لا شئ يمكنه أن يؤثر على العلاقات بين الرباط وباريس".
واعتبرت الصحيفة أن "زيارة هولاند إلى المغرب بمثابة تعبير لطيف وتجري في أجواء حارة، وعلى الرغم أن الزيارة ذات حمولات رمزية كبيرة، وتخضع لعدد من متطلبات التنظيم، إلا أن محيط هولاند على موعد رسمي أقل رسمية، ويتعلق الأمر بالاستقبال الذي حظى به الرئيس الفرنسي الأربعاء، بالإقامة الملكية في الدار البيضاء من طرف الأسرة الملكية المغربية، وكانت هذه الزيارة أول فرصة للقاء زعيمي البلدين لفترة طويلة، وحسب مصادر دبلوماسية، فإن محمد السادس أراد أن يتم ذلك في إطار غير رسمي، حتى يتسنى له خلق علاقة خاصة مع الرئيس الاشتراكي".
ونقلت "لوموند" على لسان أحد مساعدي هولاند قوله، "لقد استغرق ساركوزي وقتًا كبيرًا لتثبيت علاقة شخصية مع محمد السادس، ولا أملك مؤشرات تؤكد أن الملك محمد السادس يعتبر هولاند صديقًا مقربًا، وخلال الزيارة سيجد هولاند نفسه وسط أجندة مكثفة للغاية، إذ يلقي خطابًا أمام البرلمان، ثم سيكون له نقاش خاص مع طلبة الجامعة الدولية في الرباط، فضلاً عن لقاء مع رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنكيران، ومع عشرات الشخصيات من المجتمع المدني، وتعتبر باريس هذه الزيارة فرصة ليوجه الرئيس الفرنسي تحية لانفتاح المشهد السياسي الاجتماعي ولدينامية الجمعيات المغربي".
وستشكل الزيارة الخاصة للرئيس الفرنسي هولاند وعقيلته فاليريترير ويلر إلى مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، رمزًا خاصًا حيث أنهما سيخلعان حذاءهما، لكن الزيارة ستكون أيضًا فرصة للحديث بشأن "مواضيع حساسة"، مثل حقوق الإنسان ووضع المرأة، ومسألة النظام القضائي وقضايا تتعلق بالرشوة، فضلاً عن ملفات ذات طبيعة خاصة في مجال العلاقات المغربية الفرنسية، من قبيل ملف أطفال الزواج المختلط الذين يتم ترحيلهم بشكل غير قانوني، وأيضًا حرية الصحافة، في حين لا يتوقع المراقبون أن تشكل هذه الملفات عائقًا أمام هذه الزيارة، وبخاصة أن الفرنسيين لم يخفوا ارتياحهم لإطلاق سراح ناشطين من حركة "20 فبراير" الاحتجاجية، أبرزهم مغني الراب الذي أطلق سراحه في 29 آذار/ مارس الماضي.
أرسل تعليقك