جانب من المحادثات التونسية الألمانية الجمعة
تونس ـ أزهار الجربوعي
بحث الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الجمعة، خلال زيارته إلى برلين، في تطورات الأزمة المالية، وإمكان تحويل ما تبقى من ديون تونس إلى مشاريع تنمويًة، فيما أكد المتحدث باسم قصر الرئاسة التونسية، والمبعوث الرسمي إلى العراق، عدنان منصر، أن رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي، سيشرع في إجراءات العفو الخاص عن 8 معتقلين تونسيين في السجون العراقية، من غير المدانين في قضايا الإرهاب، في حين سيتم النظر في ملفات الـ 7 الباقين، خلال زيارة مرتقبة لوزير العدل العراقي إلى تونس، لتوقيع اتفاق تعاون قضائي بين البلدين.
وقال الناطق الرسمي بإسم الرئاســة التونسية، الجمعة، "إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أصـــدر تعليماته المباشرة لمساعديــه، للشروع في إجراءات العفو الخاص في ما يتعلق بملف المساجين التونسيين في العراق، وأنه سيتم خلال أجل أقصاه 10 أيام، العفو عن 8 مساجين من ضمن 15 معتقلاً تونسيًا في السجون العراقية، لم توجـــه لهم تهم الإرهاب، وإنما اعتقلوا على خلفية خرقهم للقوانين العراقيــة، على غرار دخول البلاد خلسة"، مضيفًا أن "وزير العدل العراقي حسن الشمري، قد استقبل القائم بالأعمال التونسي، وأعلمه بشروع الحكومة العراقية في إجراءات العفو الخاص على التونسيين الـ 8 غير المتهمين في قضايا الإرهاب".
وفي ما يتعلق ببقية المعتقلين، الذين وجهت لهم تهم الإرهاب والبالغ عددهم 7، فسيتم العفو عنهم ضمن الاتفاق القضائي، التي من المنتظر التوقيع عليها من طرف وزير العدل العراقي، إثر زيارته إلى تونس في حزيران/يونيو المقبل، على أن يقضوا باقي فترة العقوبة في السجون التونسية إثر تسليمهم إلى سلطات بلادهم.
وقد سلم عدنان منصور رسالتين خطيتين بشأن ملف السجناء التونسيين، من الرئيس المنصف المرزوقي إلى كل من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والرئيس جلال الطالباني.
ونفذت الحكومة العراقية حكم الإعدام، في شاب تونسي يُدعى يسري فاخر الطريقي، في كانون الأول/ديسمبر 2011، على الرغم من الحملات التضامنية ضد تنفيذ الحكم، والتدخلات الصادرة عن الحكومة التونسية، وعن زعيم حزب حركة "النهضة" الإسلامي الحاكم راشد الغنوشي، ومكونات المجتمع المدني في تونس، حيث عبرت "رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان"، عن صدمتها لإقدام السلطات العراقية على إعدام يسري الطريقي، مشددة على أن الحكم صدر من "محكمة استثنائية لا تتوافر فيها أبسط مقومات المحاكمة العادلة"، فيما استدعت الخارجية التونسية، السفير العراقي لديها، لتندد بإعدام الطريقي، داعية إلى ضرورة توفير محاكمة عادلة وشفافة لبقية المساجين التونسيين، الذين يقبعون في السجون العراقية، وتوفير الضمانات القانونية والإنسانية كافة لصالحهم، والتعامل معهم بما تقتضيه الأعراف والمواثيق الدولية.
وأجرى الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي، محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال لقاء جمعهما الجمعة في برلين، في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها المرزوقي إلى ألمانيا، وقد تطرق اللقاء إلى الحديث في القضايا ذات الاهتمام المشترك، حيث أعرب الجانبان عن وجوب إيجاد مقاربة شاملة للأزمة المالية، تعي بقيمة البعد التنموي في حل هذه الأزمة، التي باتت تشكل مصدر تهديد في منطقة الساحل والصحراء.
وبشأن الأزمة السورية، فقد دان المرزقي وميركل، عمليات القتل في سورية، والانتهاكات التي تطال المدنيين، فيما شددا على ضرورة إيجاد حل سياسي يخرج البلاد من حالة الإنسداد الحالية.
وجددت المستشارة الألمانية، دعم بلادها لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وثقتها في قدرة الشعب التونسي على إنهاء المرحلة الإنتقالية، على الرغم من وجود تحديات اقتصادية واجتماعية, مشددة في الآن ذاته، على وجود مجالات تعاون واعدة بين البلدين يمكن تفعيلهما، وبخاصة في الميدان الاقتصادي والجامعي والتكوين المهني والطبي، في حين أكد الرئيس المرزوقي أن "العلاقات التونسية الألمانية، تشهد بعد الثورة تحولاً نوعيًا، وبخاصة مع مساندة ألمانيا كليًا لتجربة التحول الديمقراطي التي تعيشها تونس, وأنه اقترح على المستشارة ميركل، تحويل ما تبقى من ديون تونس إلى مشاريع تنمويًة، وهو مقترح تمً درسه أيضًا مع رئيس الجمهورية الفيدارلية الألمانية يواخيم غاوك".
كما التقى الرئيس التونسي، خلال زيارته إلى ألمانيا، التي تنتهي الجمعة، نظيره الألماني يواخيم غاوك، حيث بحثا في تناول سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، وآليات النهوض بهما، وبخاصة على المستوى الاقتصادي، حيث أبدى الجانب الألماني تفهمه ودعمه لمطلب تحويل بقية ديون تونس المستحقة لمشاريع تنموية، فيما جدد الرئيس الألماني من ناحيته مساندة بلاده لتجربة التحول الديمقراطي في تونس، وثقته في نجاحها، وبخاصة بعد تبلور خارطة طريق واضحة للاستحقاقات السياسية الكبرى المقبلة، مثل قرب الانتهاء من صياغة دستور مدني، يحظى بإجماع مكونات المشهد السياسي التونسي كافة، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات لايتجاوز نهاية العام الجاري.
وشدد المرزوقي، على أهمية دعم ألمانيا اقتصاديًا للمسار الانتقالي في تونس، من خلال الرفع في نسق التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمار في الطاقة البديلة والبيئة والتكوين المهني والبحث العلمي، وإعادة تدفق السياح الألمان إلى نسقه العادي.
كما اجتمع الرئيس التونسي، برئيس البرلمان الألماني نوربار لامارت، في مقر البرلمان الألماني، وناقش الطرفان تقدم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وسبل تعزيز التعاون بين البلدين، حيث أعرب لامارت عن ثقته في "قدرة التونسيين على النجاح في نحت أنموذج للتحول الديمقراطي في المنطقة، وبخاصة مع وضوح الرؤية في ما يتعلق برزنامة الاستحقاقات السياسية الكبرى، والمتمثلة في الانتهاء من صياغة دستور توافقي مدني، وضبط موعد لإجراء الانتخابات المقبلة، وهو ما سيسهم في بلورة مناخ من الثقة بين جميع الأطراف السياسية، ويعطي دفعًا قويًا لإنهاء المرحلة الانتقالية الراهنة التي تعيشها البلاد".
ودعا الرئيس المرزوقي مختلف الأحزاب السياسية التونسية إلى الحوار والاتفاق، بشأن النقاط الخلافية بداية من مطلع الأسبوع المقبل، وذلك خلال لقاء في إطار زيارته إلى ألمانيا، أشرفت عليه مؤسسة "كوبر"، بحضور عدد من أعضاء نواب البرلمان الألماني، وعدد من الاقتصاديين، ومكونات المحتمع المدني، مؤكدًا أن "فرص نجاح الثورة التونسية أكثر من فشلها، رغم الأزمات، وأنه يجب إنهاء الدستور، وتوفير توافقات لإجراء انتخابات في مواعيدها"، مجددًا ثقته في ائتلاف "الترويكا" الحاكم في تونس (النهضة، التكتل، المؤتمر)، فيما شدد المرزوقي على أن حركة "النهضة" الإسلامية الحاكمة، "لم تكن لتستطع الحكم لولا أحزاب الترويكا".
وقد طلب المنصف المرزوقي، من رانيا زار، مرافقته إلى ألمانيا خلال الزيارة الرسمية التي يؤديها، في بادرة هي الأولى من نوعها، ورانيا هي ابنة رجل الأمن التونسي لطفي زار، الذي قتل بعد إصابته بحجارة في صدره خلال أحداث شغب رافقت جنازة المعارض اليساري شكري بلعيد، الذي تعرض للاغتيال في 6 شباط/فبراير الماضي".
وتبلغ رانيا من العمر 15 عامًا، وتزاول دراستها في السنة التاسعة أساسي، وقد أكدت والدتها أنه وقع الاختيار على ابنتها رانيا، من بين بقية أبنائها، لأنها متميزة في دراستها، ولأن نفسيتها متأزمة جدًا بعد وفاة والدها، وكتشجيع لها أيضًا، معبرة عن شكرها للرئيس التونسي، لقيامه بهذه البادرة.
ورغم اتهامها بـ"الشعبوية" وبإفقاد الدولة هيبتها، إلا أن غالبية المراقبين يشيدون بقدرة الرئيس المنصف المرزوقي، على اكتساب قلوب الشعب وتحطيم الصورة النمطية والجليدية الموروثة عن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي أرهب الشعب بسلطة البوليس والقمع، وقد نجح المرزوقي في النأي بعائلته وبحياته الشخصية، بعيدًا عن السياسية، خشية تكرار تجربة أصهار الرئيس السابق، الذي عاثوا في الأرض فسادًا ونهبوا البلاد والعباد.
أرسل تعليقك