رئيس الجمهورية التونسية المنصف المرزوقي
تونس - أزهار الجربوعي
دعا ، الحكومة إلى حل جمعية "روابط حماية الثورة" قانونيًا، في حين شددت حركة "النهضة الإسلامية" الحاكمة على دعم حكومة علي العريض، وتحقيق أهداف ثورة "14 يناير"، التي اعتبرتها امتدادًا لثورة "التحرير"، وتصحيحًا لانحرافات الاستبداد والفساد وإغناءًا
للاستقلال، يأتي ذلك فيما دشنت العاصمة الفرنسية باريس، الأربعاء، تمثالاً نصفيًا للزعيم التونسي الحبيب بورقيبة، احتفالاً باليوم الوطني لاستقلال تونس عن المستعمر الفرنسي الموافق 20 آذار/مارس 1956.
وطلب الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي في خطاب ألقاه لمناسبة الاحتفال بالذكرى 57 لعيد الإستقلال الوطني من كل المنخرطين في "روابط حماية الثورة " بتحويلها كليًا إلى جمعيات مدنية، تلتزم قولاً وفعلاً بالإنشاء والإعمار المادي والسياسي والثقافي، مناديًا بضرورة حلها قانونيًا إذا ما ثبت تورطها في أعمال عنف.
وقال المرزوقي "أطلب من الدولة مراقبة التزامات رابطات حماية الثورة بقوانينها المؤسسة، وحلها قانونيًا، إذا تأكد أنها ميليشيات مخفية".
وأكد رئيس الجمهورية أن للثورة اليوم جيشها الوطني، وأمنها الجمهوري، ومؤسساتها الشرعية، مشيرًا إلى أنها "ليست في حاجة لمنظمات قد تنطوي على مخاطر التحول إلى ميليشيات حزبية، فنرى لا قدر الله في شوارعنا حرب ميليشيات، مثلما حدث في أكثر من بلد".
وكانت "روابط حماية الثورة" قد تأسست في تونس بصفة تلقائية، عقب حالة الانفلات الأمني، التي تلت ثورة "14 يناير" عام 2011، ثم تطورت لتحصل على تأشيرة العمل القانونية بصفتها جمعيات مدنية، إلا أن غالبية قوى المعارضة، وجزء كبير من المجتمع المدني يتهمها بالتحريض على العنف والتشدد الديني، في حين يصفها آخرون بـ"ميلشيات حزب حركة النهضة الإسلامي الحاكم"، الذي يعتبرها حامي الثورة، والضامن لسيرورتها، ويستميت في الدفاع عنها، ويرفض حلها بقرار حكومي، إلا في حال أقر القضاء ذلك.
ورد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي العنف الذي تعيشه البلاد إلى حملات الشحن والتجييش من جانب بعض السياسيين والإعلاميين، داعيًا إياهم إلى "تهدئة الخطاب السياسي، ومراجعة فحوى الخطاب الإعلامي"، مشيرًا إلى ضرورة "تحديد موعد نهائي للانتخابات، وتفعيل الهيئات الثلاث الخاصة بالإعلام والقضاء والانتخابات".
وفي سياق متصل، دشنت العاصمة الفرنسية باريس، الأربعاء، تمثال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في منتزه الحبيب بورقيبة في الدائرة 7 في العاصمة الفرنسية باريس، لمناسبة احتفال تونس بالذكرى 57 لاستقلالها عن المستعمر الفرنسي .
وتمت عملية رفع الستار عن تمثال الرئيس التونسي الراحل "الحبيب بورقيبة" بحضور كل من سفير تونس لدى فرنسا عادل فقيه، ورئيس بلدية باريس برتران ديلانوي، ونائب رئيس بلدية باريس المكلف بالعلاقات الدولية و الشؤون الأوروبية والفرنكفونية بيار شابيرا، والوزيرة الفرنسية السابقة رشيدة داتي، ورئيسة بلدية الدائرة 7 والقنصل العام التونسي كريم عزوز.
من جانبه أصدر حزب "حركة النهضة الإسلامي" الحاكم بيانًا لمناسبة ذكرى الاستقلال، قال فيه "إن يوم 20 آذار/مارس 1956 يمثل منعرجًا مفصليًا في تاريخ بناء الدولة الوطنية الحديثة، وسيظل يومًا رمزًا في تاريخ التونسيين وذاكرتهم، رغم الانحراف الذي شهدته تجربة الدولة الوطنية، وتوجه البلاد في عهد الرئيس المخلوع إلى قلعة استبداد وفساد، ثار عليها الشعب التونسي، مسقطًا الطغيان ورموزه".
وأكدت "حركة النهضة" تمسّكها باستقلال تونس، دولة حرّة، الجمهورية نظامها، والعربية لغتها والإسلام دينها، مشددة على أن "تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في إطار الهوية العربية الإسلامية، هو المضمون الحقيقي للاستقلال، الذي يدعو الحزب إلى تحقيقه، في تظافر لجهود كل أبناء الوطن، في السلطة وخارجها".
كما دعت حركة النهضة إلى مساندة جهود حكومة علي العريض، للتعجيل بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وتحقيق الأمن، ومحاربة غلاء الأسعار.
وقال رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي أن "العديد من المصطلحات تعرضت للإساءة، وأصبح التعامل معها كأنها منكر، أو جريمة، أو كلمة فاسدة، مثل مصطلح المُحاصصة الحزبية"، الذي وصفه بـ"المصطلح السياسي الطبيعي".
واعتبر الغنوشي أن "الحكم الإئتلافي هو من أنواع الحكم الديمقراطي، الذي يقتضي تقسيم الحقائب الوزارية بين الأحزاب المؤتلفة بالتفاهم"، مشددًا على أن المُحاصصة ليست عيبًا أو جريمة بل هي من طبيعة الحكم الديمقراطي الإئتلافي.
وبينما يحيي التونسييون الذكرى السابعة والخمسين لاستقلالهم عن نظام الحماية الفرنسية، يعيد مثقفوها طرح أسئلة قديمة جديدة، لا سيما فيما يتعلق باستقلال القرار الوطني عن الأجنبي، حيث تعتبر العديد من التيارات السياسية في البلاد، لاسيما القومية واليسارية، أن الإستقلال التونسي ظل مبتورًا ومنقوصًا، وأن الأنظمة التي تداولت على حكم تونس رهنت القرار الوطني إلى الأجنبي، في حين يرى آخرون أن الجمهورية الثالثة هي رمز الاستقلال الحقيقي، معتبرين أن تاريخ 14 كانون الثاني/يناير 2011 هو الموعد الرسمي لاستقلال تونس، بعد خلع نظام بن علي، الموالي للدوائر الفرنسية والأجنبية، والمتهم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، في ثورة سلمية أبهرت العالم.
ويذهب عددد من المراقبين والمؤرخين التونسيين على غرار الدكتور عبد الجليل التميمي إلى القول بأن الاستقلال في تونس كان بمنظور أحادي الجانب من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي احتكر السلطة، وعمل على التخلص من كل خصومه السياسيين وشركائه في النضال ضد الاستعمار، وتصفيتهم واعدامهم، لاسيما أنصار الزعيم الوطني صالح بن يوسف، الذي اعترف بالوقوف وراء عملية اغتياله في مدينة فرانكفورت الألمانية عام 1961، في حين ما زالت أغلب التيارات القومية تؤمن بأن الاستقلال الذي منحته فرنسا لبورقيبة كان صفقة بين الطرفين، بغية التخلص من أعداء فرنسا، حاملي الفكر القومي والإسلامي في المنطقة، سيما وأن الشعب التونسي انتظر أكثر من خمسين عامًا ليشهد أول برلمان منتخب، منبثق عن أول انتخابات شفافة ونزيهة في تاريخ البلاد.
وبين هذا وذاك ما يزال المواطن التونسي يعاني سياسة التهميش والتفقير، التي كرستها الأنظمة السابقة، من الاستقلال إلى ما بعد الثورة، ومازال يلعن نظام "الجهويات" (الأقاليم) المجحف، الذي منح لمدن الساحل والعاصمة القوة الاقتصادية والسياحية والنفوذ السياسي، مقابل تهميش أغلب محافظات ومناطق الجمهورية الداخلية، لاسيما الغربية، بانتطار أن تأتيه ثورة الحرية والكرامة بما لم يأته به رؤساؤه الراحلون والمخلوعون.
أرسل تعليقك