انتشرت في الآونة الأخيرة ما يعرف بـ"فحص العذرية" الذي يطلبه الرجل من الفتاة قبل الزواج؛ بدعوى التأكد من عفتها، رغم أن فحص العذرية هو شكل من أشكال العنف وقذفٌ للمحصنات ومخالف للشريعة الإسلامية.
ولكن ترجع دوافع الرجل لطلب الفحص إلى شيوع ثقافة اجتماعية مترسخة ومغلوطة حول مفهوم الأنوثة ومفهوم الرجولة في المجتمع تتصف بمكانة الرجل الفوقية مقارنة بدونية المرأة، وهذه الصورة موروثة اجتماعيًّا وتتكون من أن المرأة هي ملك الرجل وأنها الأضعف ويجب السيطرة عليها، وهي بحاجة للتوجيه والتأديب والعقاب.
وتلزم الثقافة الذكورية هذه الرجل العازب بأن يحمي، يراقب، ويدافع عن عذرية شقيقاته ويفسر هذا أنه في صالح المرأة، فإن لم يقم بذلك يكون قد أخل بصورته كرجل أمام المجتمع، وعند زواجه تكون "ثقافة حماية العذرية" هذه واجبة التطبيق لدى التعامل مع زوجته، وهي المرجع مستقبلاً لدى تعامله مع بناته.
وجذور هذه الثقافة المغلوطة السائدة غير مرتبطة بالثقافة العربية الإسلامية التي حافظت على مكانة المرأة، فغالبية المراجع الفقهية تؤكد أن الإقدام على فحص العذرية لا يجوز، لما فيه من النظر إلى العورات من غير ضرورة، وهتك شنيع لأعراض المسلمات التي جاء الإسلام بصيانتها، ولكن في المقابل وخاصة بعد ارتفاع نسبه الطلاق بين المتزوجين لعدم قدرة الزوج على الإنجاب، هل يكون من حق الفتاة أن تطالب خطيبها بالفحص الطبي قبل الزواج لإثبات قدرته الإنجابية؟؟؟؟
"العرب اليوم" فتح هذا الملف الشائك، والتقى المحامي أحمد العطار، الذي أكد أن بداية الفحص الطبي قبل الزواج كانت العام 1994, عندما تم إصدار القانون رقم 143 بهدف الفحص للتأكد من بلوغ الزوجة السن القانونية للزواج وهو 18 عامًا، وأنه على المأذون قبل توثيق العقد الحصول على إقرار الزوجين بخلوهما من الأمراض التي تجيز التفريق بينهما، بعد تبصيرهما بهذه الأمراض، وخاصة "الجنون، والجذام، والبرص، والإيدز", ويعتبر هذا الفحص إجباريًّا وله فوائد كثيرة جدًا ولكن في مصر هذا القانون حبر على ورق للأسف.
وأضاف العطار أن المادة الـ33 من لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل في 10/1/1955 المستبدلة بقرار وزير العدل رقم 1727 للعام 2000 تنص على أنه: على المأذون قبل توثيق العقد أن يحصل على إقرار من الزوجين يثبت خلوهما من الأمراض التى تجيز التفريق بعد تبصيرهما بهذه الأمراض، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين بالزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، وإعلامهما بنتيجة هذا الفحص، ويصدر بتحديد تلك الأمراض وإجراءات الفحص وأنواعه والجهات المرخص لها به قرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير العدل، ويعاقب تأديبيًّا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة.
أما عن أحقية الفتاة قبل عقد قرانها في أن تطالب خطيبها بإجراء كشف للتأكد من قدرته على الإنجاب، فقال العطار إن هذا بالطبع حقها من الناحية القانونية والشرعية والأدبية، وأنه كما يرغب الرجل بفتاة ودود ولود تنجب له الأولاد وتكون خالية من الأمراض, فمن حقها أيضًا أن تطمئن من صحته الجسدية والوراثية، مشيرًا إلى وجود أمراض مقبولة, أما الأمراض التي يصعب علاجها فلها الحق في أن تستشير طبيب هل سيؤثر ذلك على صحة الأطفال أم لا.
أما من الناحية الشرعية، فذكر العميد السابق لكلية الشريعة والقانون، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الدكتور حامد أبوطالب: من أهم فوائد الفحص الطبي قبل الزواج هو اطمئنان كلا الزوجين على خلو صاحبه من الأمراض، وإذا تبين أن أحدهما به عيب يحول دون ذلك فمن حق الطرف الآخر عدم الإقبال على الزواج.
وأوضح الدكتور حامد أن توقيع الكشف الطبي على المقبلين على الزواج معناه أنه دخول على بينة، ومن حق الفتاة أن تتأكد من خلو من سترتبط به من الأمراض, ومن حقها أيضًا التأكد من خلوه من مرض معين كالعقم، والفتاة التي تطلب إجراء كشف على الرجل الذي تريد الزواج به للتأكد من أنه رجل قادر على الإنجاب فهذا حق شرعي لها وبهذه الحالة تكون الفتاة على بينة من أمرها, إما إذا قبلت الزواج من هذا الشخص غير القادر على الإنجاب فهذا شأنها، وأن التقدم العلمي والطبي أتاح للفرد معرفة نتيجة الارتباط من الناحية الصحية، ومعرفة أنه قد ينتج عن الزواج مواليد مشوهة وبها عيوب خلقية أو أمراض وراثية.
أما عن قيام المقبل على الزواج بدفع قيمة شهادة الفحص دون أن يجرى عليه الكشف أو على الفتاة، فأكد الدكتور حامد أن هذا خلل وخيانة وظلم وأنه من الواجب التصدي لكل مستشفى أو طبيب يكتب شهادة مزورة؛ لأن هذا التصدي واجب شرعي ولابد من إبلاغ وزارة الصحة ونقابة الأطباء بهذا التزوير.
وبشأن رأيه في اللجوء إلى إجراء فحص العذرية، بسبب الشك أو سوء الظن تجاه الفتاة، فأكد أن ذلك غير مقبول شرعًا بل أمر مستنكر؛ لأنه يسيء إلى المرأة وكرامتها ويخدش حياءها، كما أن طلب الخاطب من خطيبته إجراء فحص العذرية، يدخله في باب العقوبة من وجهة نظر الشرع، وهو طلب غير مشروع ويدخل في باب القذف والقدح والذم، ويجوز تجريمه.
وأشار أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتور أحمد يحيى، أن الفحص الطبي قبل الزواج لكلا الزوجين ضروري جدًا من أجل التأكد من سلامتهما من الأمراض التي لا يصلح معها الزواج أو الأمراض التي يلزم مداوتها قبل الزواج أو التي تتطلب احتياطات معينة قبل ولادة المرأة، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك قد يكون مستحبًا في ظل التطور الهائل للطب في عصرنا, وأن أكثر الحكومات الحديثة قد سنت القوانين في وجوب الفحص الطبي قبل الزواج ولقد كان السبق للإسلام في هذا التوجيه.
وأوضحت المعالج النفسية زينب المهدي بقولها: من المتعارف عليه قبل الزواج أن يتم الكشف الطبي على الزوجين، ولكن للأسف يوجد الكثير من الشباب يطلبون من خطيباتهم الخضوع لكشف عذرية، وهو ما يحرج الفتاة ويجرح كرامتها وكأن ذلك الكشف الطبي هو الذي يحدد هل هي شريفة أم لا, ولكن هذا خطأ في حد ذاته حيث أن الحقيقة تحتم علينا القول بإنه يوجد بعض الفتيات اللاتي يمارسن الجنس بشكل سطحي وليس بشكل كامل ومن هنا تصبح عذريتها محفوظة، فهل يصح أن نقول على هذه الفتاة أنها عذراء أم بنت غير شريفة لا تصلح أن تكون زوجة وأم.
وأضافت المهدي: الشاب الذي يطلب ذلك الشيء من زوجته المستقبلية شاب غير ذكي على الإطلاق؛ لأن شرف البنت في أخلاقها قبل أن يكون في عذريتها ووارد جدًا كما حدث مع الكثير من الحالات أن يكون قد تم الاعتداء عليهن أو تعرضن لحوادث، فهؤلاء الفتيات لا يصح الطعن في شرفهن، لذلك لابد لكل رجل يطلب من زوجته المستقبلية الخضوع لهذا الفحص المهين أن يخضع هو أيضًا لفحص القدرة الإنجابية حتى يشعر بصعوبة الموقف.
وأكدت المهدي أنه من الأفضل الكشف عن القدرة الإنجابية للطرفين وليس العذرية لأن الإنجاب هو أمر مهم ولابد أن يطمئن كل من الطرفين عليه قبل الزواج حتى يعرفون الحقيقة قبل الزواج.
وبشأن مدى قبول الرجل الخضوع لاختبار القدرة الإنجابية قبل الزواج، ذكرت: إنه من الصعب على الرجل الموافقة على هذا الشيء، لاسيما الرجل في مجتمعنا العربي؛ لأنه يعتبر ذلك إهانة لكرامته وهو ما يرجع للتربية الخاطئة والثقافة المغلوطة التي تعرض لها منذ الصغر، وتلك الثقافة تتلخص في أن الرجل هو في المقام الأول, لكن لو الأمر يخص القدرة الإنجابية عند المرأة فقد يكشف الرجل سر زوجته ويقول إنها غير قادرة على الإنجاب ومن حقه أن يتزوج ولكن ليس من حقها أن تفشي سر عدم قدرة زوجها على الإنجاب.
وأوضحت أن سر رفض الزوج لهذا الفحص يرجع إلى أنه من ضمن الثقافة الخاطئة التي تربط الإنجاب بالقدرة الجنسية على الرغم من أنه يوجد فرق كبير جدًا بين الاثنين، ويوجد حالات كثيرة جدًا قادرة جنسيًّا بشكل كبير ولكن للأسف حيواناتها المنوية مريضة، وكذلك القدرة الإنجابية عند المرأة ترتبط بنشاط البويضات لديها وليس بقدرتها الجنسية.
وأضافت الدكتور هبة قطب، استشاري الطب الجنسي والعلاقات الأسرية، أنه لا توجد دولة تسمح بفحص اختبار العذرية قبل الزواج, ولا يتم إلا في حدود ضيقة منها ما يحدث في "دور الإصلاح" لفصل العذريات عن اللاتي سبق لهن ممارسة العلاقة الجنسية، مضيفة أنها ضد فحوص الكشف لما بها من مهانة، أما الفحص الطبي قبل الزواج فله أهداف وقائية أسرية ومجتمعية, لأنه يضع حدًا للأمراض الوراثية وللوقاية من الأمراض المعدية وتجنب الأعباء المالية والنفسية والاجتماعية على الأسرة والدولة.
واختتمت قطب: كما أن جعل الفحص إلزامي يرفع الحرج عمن يريد إجرائه، لأنه يضمن علاقة زوجية صحية ويضمن معرفة قدرة الرجل على الإنجاب من تحليل السائل المنوي، ومن حق الفتاة أن تتأكد من قدرة الرجل على الزواج والإنجاب وخلوه من الأمراض فهذا حقها الشرعي والقانوني، بعكس كشف العذرية الذي لا يعتبر حق للرجل.
أرسل تعليقك