عانت مريضة تدعى سوزان غلاسكو من سانت ايبوليست هيرتفوردشاير من نوبات الدوار طوال عمرها، وعندما بلغت من العمر 69 عامًا كانت نادرًا ما تغادر المنزل بسبب هذه الحالة, وتشير, "كان الأمر مروع، عندما كنت أخرج قليلًا يبدو كل شيء يتحرك وفي السوبرماركت كنت أشعر بأن كل شيء يتحرك حولي، وفي بعض الأحيان كنت أقع كلما هممت بالوقوف، وكثيرًا ما كنت أقضي كل اليوم متمددة، وقد استمرت النوبة الأخيرة لعشرة أسابيع."
وبدأت الأعراض مع دوخة قصيرة لبضع دقائق وبضع مرات في الشهر، وبدأت تحتد بشكل متكرر، فذهبت لزيارة الطبيب العام لها والذي شخَّصها في البداية بالإصابة بالدوار، بسبب وجود مشكلة في نظام التوازن في الأذن الداخلية ووصف لها دواء لم ينفع معها أبدًا, وتنقلت على مدى السنوات مع زوجها فيتكور البالغ من العمر 68 عامًا والذي يعمل رسامًا مقاعدًا على الاطباء بما في ذلك طبيب القلب والأعصاب وأجرت الكثير من الفحوص والتي كانت جميعها نظيفة, وزارت قبل أربع سنوات استشاري الأعصاب وطبيب الأذن الدكتور أس أس سيرينفراين الذي يقود مركز ميدواي ومستشفى بلكهث جنوب شرق لندن، وذهلت عندما قال لها إنها تعاني من موجات خفية من الصداع النصفي.
ويعتبر الصداع النصفي حالة عصبية معقدة جدًا مع مجموعة واسعة من الاعرض، اكثرها كلاسيكية الخفقان وصداع مؤلم كثيف، ولكن هناك المزيد من الاعراض التي لا تأتي مثل الألم في الرأس وتشمل هذه الأعراض الدوار ومشاكل في العين وتغيرات في عادات الامعاء وتململ الساقين، وتسمى كل هذه الأعراض بالصداع النصفي الصامت, فيما يعاني ثمانية مليون بريطاني من الصداع النصفي، 30% منهم لا يشعرون بألم في الرأس عند الحالة، وتثير هذه القضية الاهتمام والفضول، فالنساء تختبر هذه الحالة ضعف عدد الرجال الذين يعانون من الصداع النصفي، ولكن لا علاقة بالجنس فيها.
ويشرح المتخصص في الصداع النصفي في مستشفى كينغز كوليدغ في لندن الدكتور اندرو داوسن أنه يشهد أعدادًا متزايدة من الناس الذين يشعرون بالقلق والتعب من أعراض الصداع النصفي لأسباب ليس أقلها أن الاعراض تشابه السكتة الدماغية, وأضاف, "واحدة من الأعراض الأسرع التي نراها غالبًا ما تكون بدون صداع، وغالبًا ما عانى هؤلاء المرضى من الصداع النصفي وهم أطفال، ومع التقدم في السن ذهب الصداع وأتت هذه الاعراض بدلًا منه، ولكن إذا تعرض الانسان لهذه الاعراض لأول مرة بدون أن يكون له تاريخ في الصداع النصفي فيمكن ان يكون الامر مثيرًا للقلق."
ولا يزال الغموض يكتنف أسباب الصداع النصفي على الرغم من انها حالة شائعة جدًا، وتشير احدى النظريات ان سببه ربما يكون ردة فعل للجهاز العصبي بشكل غير صحيح بشأن معلومات عصبية، ولأن الدماغ يراقب البيئة الداخلية والخارجية لأي تغييرات مثل عدم التوازن الهرموني أو قلة النوم أو الجفاف أو أي محفز خارجي مثل الضوء يمكن أن يؤدي ذلك إلى الأفراد في رد الفعل.
ويمكن أن تسبب اشارات كهربائية زائدة أو الافراج عن مواد كيميائية أكثر من المرغوب فيه بالدماغ إلى الأم في الرأس، ويؤدي الافراط في رد الفعل إلى موجة من الاشارات إلى الدماغ في وسط الدماغ والتي تتحكم بالعمليات الحيوية مثل معدل ضربات القلب والتنفس والتوجيه وهذا ما يسبب أعراض الدوار مثل الحالة مع سوزان, ويمكن أن يؤدي الصداع النصفي الى الكثير من الازعاج للمريض بسبب ازدواجية الرؤية وعدم الثبات والإغماء وفقدان الاحساس في الاطراف، وتشير الجمعية الخيرية للصداع النصفي ان أكثر المرضى يعانون من أسوأ من الالم في الرأس، لان الاعراض الاخرى تجعل من الحياة اليومية صعبة، وقبل التشخيص غالبا ما ترتبط الاعراض بالسكتة الدماغية.
ويصعب على الاشخاص الذين يعانون من هالة المرض بدون ألم في الرأس التصديق ان الصداع النصفي هو ما يقف خلف الأعراض وليس عليهم القلق بشان أمراض أكثر خطورة، ويشير الدكتور سيرينراين انه في حين أن مشاكل التوازن هي من بين أعلى عشرة أسباب لزيارة الطبيب العام فان الوصول الى المتخصص المناسب لتحديد سببه وتوفير العلاج المناسب أمر صعب, وأضاف " عندما يأتي المرضى إلى يكونون في حالة يائسة لإيجاد حل لحالة كانوا يعانون منها بالمتوسط لمدة ثلاث سنوات، وبقيت غالبا بدون تشخيص، لقد رأيت مرضى لديهم مشاكل مع حالة التوازن لمدة تصل الى 50 عامًا، وقد عانوا في حياتهم والكثيرون قالوا لي إن الحالة كانت ستدفعهم إلى الجنون", وتابع " البعض يعاني من الاعاقة الجسدية بسبب مشكلة التوازن و 80% من الاشخاص بهذه الحالة ليدهم مشاكل نفسيه مثل القلق والاكتئاب ونوبات الذعر الناشئة كنتيجة مباشرة لاضطراب التوازن", واسترسل الدكتور أن علاج الدوار المرتبط بالصداع النصفي يمكن ان تشمل الادوية المضادة للقيء والدواء الموصوف لعلاج الاكتئاب والصرع والذي يمكن ان يحد الافراط في ردة فعل الخلايا العصبية في الدماغ، وهناك بعض التدابير الوقائية ثمل ازالة بعض المحفزات مثل الكافيين والنبيذ الأحمر وتمارين لإعادة تدريب الية التوازن في الاذن الداخلية.
ويمكن للعلاج المعرفي والسلوكي والدعم النفسي أن يساعد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق الناجم عن هذه الحالة، ولاحظ الاطباء أنه حتى عندما يكون المرضى يعانون من الصداع النصفي فانهم لا يدركون ان الدوران وازدواجية الرؤية مرتبط مع حالتهم.
وتؤكد العاملة في المنظمة الخيرية للصداع النصفي رفقة ايتشسون " يشع الناس بالصدمة والخوف من هذه الأعراض وغالبًا لا يدركون انها مرتبطة بالصداع النصفي." ومن جانبه يقول الطبيب الاستشاري في الاعصاب في سانت توماس جورجيو لامبور " يمكن أن تكون هالة المرض مخيفة أكثر من الصداع النصفي نفسه في كثير من الأحيان لأن الناس يعتقدون أنهم ربما يتعرضون لسكتة دماغية لا سميا بسبب وخز الأطراف أو الضعف في الكلام."
وتشمل قائمة الادوية المضادة للصداع حلًا مناسبًا لإعادة التوازن ويوصي الدكتور داوسن بمكملات المغنيسيوم بجرعة تتراوح بين 200 الى 600 ملغ وفيتامين بيه 2 100 ملغم، ويعتقد ان نقص المغنيسيوم يسهم في زيادة الأنشطة التي تسبب هالة المرض في الدماغ ويعرف فيتامين به 2 على قدرته في الحد من شدة ووتيرة الصداع النصفي.
ويشير الدكتور داوسن أن 75 ملغم يوميًا من هذه المكملات يمكن أن تساعد في تقليل أعراض هالة المرض من خلال تغيير الطريقة التي يستخدم فيها الدماغ مادة السروتونين الكيميائية التي تلعب دورًا رئيسيًا في الالم وهالة الصداع النصفي على الرغم من أن السبب غير معروف بعد.
ونصح الطبيب سوزان بالاستغناء عن كل المواد الغذائية التي تحفز الصداع النصفي مثل الحمضيات والنبيذ الاحمر والشكولاتة والجبن ومنتجات الألبان والكافيين، ووصف لها نوع من الأدوية المضادة للاكتئاب المسمى نورتريبتيلين الذي يستخدم لعلاج الصداع النصفي بسبب مساهمته في الحد من امتصاص السيروتونين في الدماغ.
وأدى الدواء والنظام الغذائي إلى تراجع الأعراض في غضون ستة أسابع وبعد مرور أربع سنوات قالت انها لم تعد تعاني من المرض أبدا، وتشير اليوم " انا كنت أتمدد فقط ولم أكن أمارس أي شكل آخر من الحياة، لا أعرف كيف كانت حالتي لتصبح لولا التشخيص الصحيح، امل أن أستغني عن العلاج في المستقبل."
أرسل تعليقك