الكاتب عدنان العودة و المخرج الفلسطيني باسل الخطيب
دمشق ـ جورج الشامي
تحول مسلسل "حبة حلب" إلى قضية خلافية في الشارع الفني والصحافي السوري، أخيرًا، فبعد تنقل العمل بين عدد من المخرجين، استقر العمل بين يدي المخرج الفلسطيني باسل الخطيب، الذي قام بتعديل النص مع الكاتب عدنان العودة، من البيئة الحلبية إلى البيئة الشامية ليصبح عنوانه "وطني"، وذلك لصعوبة التصوير في
عاصمة الشمال السوري حلب.
وقالت مصادر مطلعة داخل "المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني الحكومية" المنتجة للمسلسل، حيث صرح كاتب العمل "في الفترة الأخيرة عالجت النص بالتنسيق مع المخرج الجديد للعمل باسل الخطيب، ولم يخسر المسلسل شيئًا من قيمته الفنية، كما بقي المناخ السياسي وحضور المكان والغناء وحالة التعايش السوري والحفاظ على النسيج المجتمعي، وأن ميزة الحكاية والمعالجة يمكن أن تتحقق في أي مدينة سورية، فالمسلسل كان عن حلب ولبس لباسًا حلبيًا، والآن هو عن دمشق ويرتدي لباسًا شاميًا، وأن الحكاية يمكن أن تقع في المدينتين، مع فارق أن لكل منهما نكهتها، أما المعالجة وبنية الشخصيات ومقولات العمل فبقيت على ما هي عليه".
وقد دفعت هذه الخطوة عددًا من الأطراف لتبادل الاتهامات، وإنشاء جبهات دفاع وتخوين، وصلت إلى حد الشتائم، ليتحول المسلسل الدرامي إلى قضية سياسية بين المعارضة والموالاة، وذلك على الرغم من انتشار قوائم العار والشرف، بين الناشطين السوريين الداعمين للثورة السورية، ورغم حملات التخوين التي اتخذت شكلاً واقعيًا في بعض الحالات، إلا أن الأمر لم يتعدى كونه تفريغًا عن الغضب، أو تعبير عن الرأي، فموقع "الأورينت نت" التابع لقناة "الأورينت" السورية المعارضة، نشر مقالاً بعنوان "حبة حلب": دراما حلبية بلباس شامي والاسترزاق سيد الموقف!، وجاء في المقال "يبدو واضحًا تجاهل الكاتب للفروقات الحادة بين طبيعة المجتمعين الشامي والحلبي من حيث العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية بأدق تفاصيلها من اللباس إلى اللهجة إلى طريقة التفكير، فهل يمكن من واقع الدراما السورية التقريب حد التطابق بين شخصيات مسلسلي "باب الحارة" و" خان الحرير" مثلاً ؟!.
وتابع المقال "برأي الزميل الصحافي السوري المغترب محمد منصور، يهاجم فيه المخرج وشركة الإنتاج وصناعة الدراما ككل، ورأى في القضية مسألة سياسية لا تمت للفن وعوالمه بصلة، فقال ما هي إلا محاولة للهبش والاستنفاع من هذا النظام الآيل للسقوط، ويكفي أن ينسق الكاتب مع المخرج باسل الخطيب في قضية تحويل بيئة النص من حلب إلى دمشق حتى تحل بالعمل كارثة درامية، فهذا المخرج الذي يشبه الترزي أو الخياط، والذي لا ينتمي لأي بيئة في سورية، وأي قضية حقيقية خارج قضية الاستزلام للاستبداد بحثًا عن أي فرصة عمل، سيقترح عليه أن يحول النص إلى بغداد أو القاهرة لو وجد منتجًا يدفع أكثر، من مؤسسة الإنتاج الدرامي التابعة لوزارة إعلام النظام السوري والتي تديرها زوجة المخرج، أما عن قضية هل حقًا بيئة حلب ودمشق متشابهتان وتختلف في النكهات فقط، فتبسيط الكاتب للقصة وجعلها (مجرد نكهات) أمر مخجل ومعيب، لأنه إما مبني على جهل، أو على رغبة بإيجاد تبرير وذريعة، أو أن النص في الأساس مجرد نص سياحي حكائي غير مبني على أي رؤية عميقة لواقع حلب الاجتماعي حتى يخسرها فيما لو تحول للبيئة الشامية، في كل الأحوال نحن أمام هبشة ما قبل السقوط، أناس يتعاملون مع مؤسسات نظام منهار أمنيًا وأخلاقيًا، لا محاسبة ولا رقابة على الموازنات وكيف ستصرف، وبالطبع سيتم تسهيل دفع السلفات للعاملين أولاً بأول لأنها ستكون سُلف غير مستردة متى سيسقط النظام، وفي المحصلة لا أعرف بأي عين يكتب هؤلاء مسلسلات ويخرجون ويمثلون ومسلسل القتل والتدمير الذي ينفذه ويخرجه النظام على أرض الواقع رائحة الدم فيه تزكم الأنوف والضمائر؟!".
في الجهة المقابلة، دافع الزميل وسام كنعان في أحد الصحف اللبنانية عن العمل ومخرجه وكاتبه في مقال حمل عنوان "حبّة" عنصرية ضدّ باسل الخطيب: ضرب منصور بعرض الحائط التاريخ الفني الغني لصاحب "أيام الغضب" في الدراما السورية، وتجاهل أنّ المخرج باسل الخطيب ينتمي إلى المدن السورية، هو الذي عاش حياته متنقلاً فيها، طبعًا لم ينس منصور أن يذكّرنا بأن الخطيب هو زوج ديانا جبور مدير "المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني"، لكنّه تناسى أنه سبق لها تولّي إدارة المؤسسة الحكومية في موسم سابق من دون أن تتفق مع زوجها على أي مسلسل، وأنّ العمل وصل إلى الخطيب بعد اعتذار شربتجي وسفر غالبية المخرجين خارج سورية، وبعد ذلك، توسع هجوم منصور ليصيب كل من يعمل في الدراما، مستغربًا "بأي عين يكتب هؤلاء"، وربما تقصّد الناقد السوري والموقع الذي فتح له الباب لشتم كل من يصنع دراما في الوقت الحالي، صمّ أذنيه عن توضيح عدنان العودة عبر صفحته على "فايسبوك"، "حري بمن يريد النقد أن يقرأ الرواية أو النص الذي كتبته ثم يتوجه لي بالسؤال، وتلك أبسط قواعد النقد الفني".
وضمن هذا الجدل، يبقى السؤال الأهم لدى مؤسسة الإنتاج ومديرتها، فبعد اعتذار أكثر من خمسة مخرجين عن إدارته، وتعذر التصوير في حلب نتيجة الأوضاع المتوترة في المدينة، لماذا الإصرار على إنتاج العمل؟ وما السر في هذا النص تحديدًا؟ فإذا كان السبب كما يعلن الكثيرون داخل أروقة المؤسسة عن كون العمل في الدرجة الأولى فرصة لتشغيل السوريين، وإيجاد فرص عمل للفنيين والفنانين، إضافة إلى إبقاء الدراما السورية موجودة على الخارجة، ألم يكن من الأجدى والأسهل تأجيل العمل إلى موسم آخر، واختيار نص جديد، بدلاً من الجدل الدائر، الذي وصل إلى حد التخوين والشتيمة، وبخاصة أن هذا العمل لم يكن له تحضيرات كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها في ظل انتقاله من حلب إلى دمشق، فضلاً عن وجود كبير من النصوص على طاولة مدير المؤسسة، يمكن أن تنتج للموسم المقبل، أقل جدلاً وبيئتها متوفرة في دمشق، من دون تعديل أو تجميل، أما أن هناك أسباب أخرى خفية لم تتضح بعد؟.
أرسل تعليقك