ليس من السهل قطع الصلة التي تربط خان أسعد باشا بزواره من داخل وخارج سوريّة؛ فطرازه المعماري الفريد على النموذج الدمشقي الأصيل وصوت الفن الذي يصدح من جميع حُجراته القديمة كفيلان بتوثيق تلك الصلة.
وتحول الخان من مكان أثري إلى مصنع للفن يرتاده الحرفيون السوريون أصحاب المِهن الفريدة والفنانون التشكيليون لنقلوا خبراتهم الفنيّة الفريدة إلى الأجيال القادمة، وخاصةً ما يتعلّق بالحِرف الدمشقيّة والفن التشكيلي.
كما فُتح باب الخان، بعد تأهيله بشكل كامل، لاستضافة معارض الفن التشكيلي والمعارض التي تنظّمها المديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق.
وتؤكد مديرة الخان، غادة سليمان، إلى "العرب اليوم"، أنه أصبح مقصدًا للزوار بعد أنَّ تحولت باحته إلى كافيتيريا ومطعم، واستثمرت وزارة الثقافة غرفه لتصبح مراسم للفنانيين التشكيليين ومدارس صغيرة لتعليم الحِرف الدمشقيّة الأصيلة كالنفخ على الزجاج والبروكار والدامسكو والتطعيم بالصدف.
وتتحدث سليمان عن تاريخ الخان مشيرةً إلى أنه بُني بين العامين 1751 و 1753 لهدف اقتصادي وتجاري.
وتُقدّر مساحة الخان الإجمالية بنحو 2500 متر مربع، وتحتل واجهته الغربية المُطلّة على سوق البزورية بطول 47 مترًا، وتحتضن هذه الواجهة بوابة الخان الكبيرة الحجم، ومسجدًا صغيرًا، ودكاكين، ومخازن تجارية.
بينما تحتلّ واجهته الجنوبية المُطلّة على خان الرز سوق الصقالين بطول 52 مترًا تتوزع فيها المَحال التجارية.
أما الواجهة الشرقية فهي سور أصمّ يُطلّ على زقاق الحي المجاور، فيما يزيد طول واجهته الشمالية عن 25 مترًا ولكنها محجوبة بالمباني كحمام نور الدين والمدرسة الكاملية التنكزية.
ويُحيط بالبناء باحة مسقوفة بالقباب ومفتوحة بقبة فوق البحرة والبوابة بتصميم لافت للأنظار، عبر عناصرها المعماريّة والزخرفيّة؛ فهي نموذج حي من نماذج العمارة الارستقراطيّة في دمشق.
وتتألف الباحة من إيوان واسع يتقدم الباب يحتوي جانبيه على مقعدين من الحجر وأعمدة كورنثية وأعمدة أيونية وأخرى توشكانية متوّجة بتيجان كورنثية وأيونية أيضًا من العصر اليوناني السوري، معقود أعلاها بالمدكك العادي بحشوات ذات أشكال هندسية متنوعة، والمدكك ذي الرسوم الهندسية الدقيقة جدًا، علاوة على المقرنصات من العصر الأيوبي والمملوكي والدلايات الحجريّة لتنتهِ في أعلاها بشكل الصدفة على شكل نصف قبة.
وبالنسبة للمدخل الرئيسي للخان؛ فهناك عقد مكون من ثلاثة أقواس متراكبة، القوس الخارجي الكبير مكوّن من سلسلة من المشربيات، والقوس الأوسط مكوّن من حجارة مقولبة على شكل كعوب الكتب، أما القوس الثالث الداخلي فيتألف من حجارة مقصقصة يتناوب فيها اللونان الأبيض والأسود والعقد محمول على أعمدة صغيرة في كل من جانبيه ومنحوتة بأشكال حلزونيّة وضفائر.
وتمثل هذه الواجهة أجمل وأضخم واجهات المباني الأثريّة في دمشق إبداعًا وأغناها بالزخارف والتزيينات، ويصل طولها إلى ما يزيد عن 11 مترًا وبعرض يبلغ 9 أمتار، بينما باب الخان مفتوح ضمن قنطرة تعلوها واجهة مؤلفة من خطوط هندسية ونقوش وكتابات تدل على تاريخ البناء ومن أمر ببنائه بالإضافة إلى عبارات أخرى وقصيدة شعريّة.
ويبقى خان أسعد باشا شاهدًا على عمق الحضارة الدمشقيّة ونموذجًا للتراث الحضاري الذي استطاع أنَّ يربط الحاضر بالمستقبل عبر الفن.
أرسل تعليقك