افتتحت مؤسّسة الفكر العربي أعمال مؤتمرها السنوي "فكر"13"، تحت رعاية الملك محمد السادس ، وبعنوان " التكامل العربيّ : حلم الوحدة وواقع التقسيم "، وذلك في القصر الدولي للمؤتمرات محمد السادس- الصخيرات.
وانطلقت أعمال المؤتمر في حضور رئيس المؤسّسة الأمير خالد الفيصل ، والمستشار الملكي عبد اللطيف المنوني ، والأمين العام المساعد ورئيس مركز جامعة الدول العربية في تونس عبد اللطيف عبيد ، ووزراء الثقافة محمد الصبيحي، والتعليم العالي لحسن الداودي، والوزيرة المكلّفة بالبحث العلمي لدى وزارة التعليم العالي سميّة بن خلدون، ومؤرخ المملكة، والناطق الرسمي باسم القصر الملكيّ، عبد الحق المريني، ووزير الخارجية السابق ورئيس مهرجان "أصيلة" محمد بن عيسى، وحشد من الشخصيات الرسمية وسفراء الدول وشخصيات ثقافية وفكرية.
وأكّد الملك محمد السادس، في كلمة ألقاها عبد اللطيف المنوني، أهمية المشاريع التي تقوم بها مؤسّسة الفكر العربي ، التي أضحت فضاء رحبًا للحوار البنّاء والنقاش وتبادل الآراء، في شأن أهمّ الإشكاليات والقضايا العربية والعالمية الراهنة.
وأبرز أهمية اختيار موضوع "التكامل العربيّ: حلم الوحدة وواقع التقسيم"، لارتباطه الوثيق بواقع الحال العربي، في ضوء التغيّرات المتسارعة، معتبرًا أن المؤتمر هو مناسبة لاستحضار المسؤولية الملقاة على عاتق المفكّرين العرب، ودورهم في التوعية والتنوير والتحليل الموضوعي، لأوضاع البلدان العربية.
وأشار العاهل المغربيّ إلى أنَّ "ما يجمع الدول العربية أكثر ممّا يفرّقها"، مبديًا أسفه لواقع التجزئة والانقسام الذي يطبع العلاقات ما بين الدول العربية، على وقع الخلافات والصراعات الداخلية، وتنامي النعرات الطائفية والتطرّف والإرهاب وهدر طاقات شعوبها.
واستعرض الاتفاقات التي أرستها بعض الدول العربية سابقًا، كمحطّة أولى على طريق الوحدة، معتبرًا أنّ "نتائجها كانت مخيّبة للآمال ودون مستوى التطلّعات".
ورأى أنّ "الوحدة العربية ليست حلمًا صعب المنال، بل هي مشروع قابل للتحقيق، وضرورة استراتيجية على الجميع تجسيدها.
ونبّه إلى أنّ " التكامل العربي لا يعني الانغلاق والانعزال عن العالم، بل ينبغي أن يشكّل حافزًا لتوطيد العمق الأفريقي والآسيوي للعالم العربي، وتوسيع علاقاته مع مختلف القوى والتكتّلات الجهوية والدولية، ولا يجوز بالتالي أن يبقى تفعيله شعارًا مؤجّلاً.
وإذ نوّه بمجلس التعاون الخليجي لسيره بخطى حثيثة نحو تعزيز الوحدة الخليجية، أسف لكون الاتحاد المغاربي يعرف جمودًا، بسبب توجّهات لن تخدم أية مصلحة، وتؤدّي إلى تكريس الراهن، بما يبعث الإحباط في نفوس المغاربيين ويفقدهم الثقة بالمستقبل.
من جهته، قدّم عبدالله الدردري الرسالة التي وجّهها الأمين العام للأمم المتحدة إلى مؤتمر "فكر13"، وأكّد فيها أنّ موضوع "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم"، الذي اختارته مؤسّسة الفكر العربي، يواجه صعوبات المنطقة وإمكاناتها؛ حيث نشهد معاناة إنسانية واسعة النطاق في جميع أرجاء العالم العربيّ، وفي بعض البلدان التي ازدهر فيها التنوّع لأجيال متعدّدة، وحلّ العنف العرقي والطائفي محلّ التسامح.
ولفت إلى أنه "على الرغم من ذلك، فإننا نرى، تطورات مبشّرة، إذ تمكّن شعب تونس من التصويت سلميًا في الانتخابات الرئاسية الديمقراطية الأولى، منذ ثورته عام 2011، كما يُرسي دستور البلد، الذي تجدر الإشادة بطابعه التقدّمي، والذي اعتُمد في كانون الثاني/يناير 2014، الأساس لديمقراطية متينة".
وشدّد الدردري على "ضرورة أن لا يحجب النزاع وعدم الاستقرار التطلّعات الجوهرية لشعوب العالم العربي، وذلك لتحقيق العدالة والكرامة والحرية، وأن يستجيب القادة لشعوبهم، التي لن يُسكت أصواتها أو يطغى عليها المتطرّفون أو المستبدّون أو غيرهم من دعاة التقسيم".
وبدوره، أعلن الأمين العام المساعد لرئاسة مركز جامعة الدول العربية في تونس، أن "اهتمام مؤسّسة الفكر العربي بموضوع التكامل العربي، نابع من حرص هذه المؤسّسة على تجاوز الواقع الصعب الذي تعيشه أمّتنا، والذي يتّصف بالفقر والاستباحة الخارجية والتعثّر التنموي، وهو واقع قال عنه تقرير التكامل العربي الصادر عن الإسكوا، أنه وليد عقود من الشرذمة والإخفاق في التنمية السياسية والاقتصادية".
ورأى أنّ "التكامل العربي هو هدف ووسيلة، لأنه سكن في أمل وحلم وجدان 350 مليون عربيّ، يميّزهم تراث تاريخي وثقافي وروحي مشترك، وتجمعهم اللغة الواحدة، وتقارب بينهم الجغرافيا، بما أنعمت عليهم من تجاور في المكان، وما ابتلتهم به من موقع استراتيجي وثروات أيقظت شهوة الطامعين بهم، ففرضت عليهم تحدّيات فريدة حريّ بها أن توقد في أذهانهم الخوف على المصير".
واعتبر أنّ "التكامل هو الوسيلة الأهمّ لتحقيق نهضة إنسانية تعمّ العالم العربي، يشارك في صنعها جميع أبنائه، أيًا يكن عرقهم ودينهم أو جنسهم، مواطنين أحرارًا، متساوين في القيمة الإنسانية، يملكون وسائل الإبداع والعمل الخلاّق، ويقتحمون بها تُخوم المعرفة، ويبنون مجتمعات تنعم بالرفاه الإنساني، بأبعاده المادية والمعنوية".
وأكّد أنّ "الجامعة العربية، التي تحتفل العام المقبل بالذكرى السبعين لتأسيسها، بذلت جهودًا كبيرة، لكنها تبقى غير كافية، وتحتاج بالتالي إلى تطوير، وما مؤتمركم هذا (فكر 13)، الذي يبحث في حلم الوحدة وواقع التقسيم، إلّا خطوة رائدة تصبّ في الاتجاه نفس".
وختم صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، بكلمة جاء فيها "مؤسّستكم .مؤسّسة الفكر العربي تبادر وتقدّم التكامل العربي موضوعًا لمؤتمركم هذا، وتخصّص كامل العام المقبل، لبحثه مع المؤسّسات العربية المعنية، وفي مقدّمتها الجامعة العربية، وتعرض النتائج على مؤتمركم المقبل".
أرسل تعليقك