تونس ـ علي اللافي
غطّى وجود حزب حركة "النهضة" الإسلامية، في واجهة الأحداث، وباعتباره أكبر الأحزاب التونسية، على بقية مشهد الأحزاب الإسلامية المعترف بها قانونيًّا بعد الثورة، والتي تختلف عن النهضة من حيث حجم شعبيتها، أو تجربتها السياسية، أو لطبيعة النشأة الحديثة لتلك الأحزاب، أو مدى تواجدها في الأحياء والمدن، أو في
أوساط الشباب، أو مختلف القطاعات، فلا يكاد يسمع البعض بتلك الأحزاب سوى لندرة نشاطها، أو لتعدد أسماء الأحزاب وتشابهها، (أكثر من 190 حزبًا سياسيًّا مقابل 9 أحزاب في عهد المخلوع)، فما هي الفسيفساء الحالية لتلك الأحزاب، وما مستقبلها في أفق الانتخابات المقبلة؟
أولًا: حزب حركة النهضة، وهو حزب إسلامي معروف وطنيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وهو حزب يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه يُحظى بشبكة دعم واسعة، ويتمتّع بشعبية كبيرة مُقارنة بالأحزاب التونسية الأخرى، وكان الحزب محظورًا أثناء فترتي بورقيبة، وبن علي، وتأسست حركة "النهضة" (حاضنة الحزب)، في 6 كانون الثاني/يناير 1981 على يد راشد الغنوشي، باسم حركة "الاتجاه الإسلامي"، بعد أن كان يعرف منذ بداية السبعينات باسم "الجماعة الإسلامية" في تونس، وأسسه راشد الغنوشي بصحبة عدد كبير من المثقفين المتأثّرين بأدبيات وفكر وتجربة جماعة "الإخوان المسلمين" المصرية، ومن المُطّلعين على الاجتهادات الفكرية لكل من المودودي، ومالك بن نبي، والترابي، أو المتأثرين بالثورة الإيرانية ومنظريها (مطهري – شريعتي).
وشاركت الحركة في انتخابات العام 1989، بعد دورها الفعال والمحوري في إسقاط النظام البورقيبي، ووُجِهت أمنيًّا بعد حصادها لنتائج كبيرة في تلك الانتخابات، كما ووُجِهت فكريًّا وثقافيًّا (خطة "تجفيف منابع التدين" مثلًا)، ولكنها عارضت جذريًّا، وعرفت قياداتها المنافي والسجون الانفرادية والمعتقلات واستشهد العشرات من مناضليها.
وتحصلت على الأغلبية في انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر، وكوَّنت تحالفًا حاكمًا، ولكنها خرجت بعد سنتين من الحكم اختيارًا و بحثًا عن التوافق الأوسع بشأن الدستور وما تبقّى من المرحلة الانتقالية، ونتاجًا للازمة السياسية التي أعقبت اغتيال السياسي محمد البراهمي، وهي حاليًا تعيش إرهاصات داخلية، (خلافات بشأن تقييم المرحلة والاستحقاقات المقبلة، ومنها عقد مؤتمرها أو تأجيله)، كما تحاول التأقلم مع متغيرات إقليمية ودولية والاستفادة من خروجها من الحكم، ليس لديها توجُّه محسوم في الانتخابات الرئاسية، وتحاول قيادة "النهضة" تجنب الاستقطاب الثنائي في التشريعية المقبلة؛ لأنّها ستكون أكبر الخاسرين.
من الوهم الاعتقاد أن حركة "النهضة" في المدى المنظور، يمكن أن تشهد انقسام رغم كل التحديات الداخلية لها أو الوطنية والإقليمية، (تصنيف "جماعة الإخوان" من طرف السعودية).
وفي الأخير يرتبط مستقبل حزب حركة "النهضة" بمستقبل ثورات الربيع العربي، وبحرصها على الواقعية السياسية، والتصاقها بهموم الشارع التونسي، والحسم الفعلي مع التيارات السلفية التكفيرية أساسًا، وأيضا عبر حرص قياداتها مركزيًّا وجهويًّا ومحليًّا على تفعيل ديمقراطية القرار داخلها، وعدم إفساح المجال لتفشي الانتهازية ومنطق "الزبونية" في مؤسسات الحزب وهياكله وممثليه، وأخيرًا في تكوين مؤسسات فعلية في المجالات الإعلامية والسياسية، لاسيما استيعاب عقلها السياسي للتطورات الدراماتيكية في المشهد السياسي.
ثانيًا: حزب "التحرير"، بعد عودة الكثير من المنتمين لحزب "التحرير" في ألمانيا، وعدد من البلدان الأخرى، تم تأسيس تنظيم لحزب "التحرير" في تونس، في نهاية السبعينات، (أسّس الحزب في الأردن في بداية الخمسينات)، تم إيقاف أغلب قياداته في العام 1983، وعرف مثله مثل بقية الإسلاميين في تونس منطق المواجهة والاعتقالات في محطات عدة، (1987، و1991، و2005، و2008)، وتم الإعلان عن قيادة جديدة بعد الاعتراف به في آب/أغسطس 2012، يترأسه حاليًا عبدالرؤوف العامري، وحسب التقييم الحالي للحزب من الوارد مقاطعته للانتخابات الرئاسية، وخوضه الانتخابات التشريعية بشكل منفرد، وفي الواقع لم يتطوّر خطاب حزب "التحرير" في تونس، وبقي يدُور بشأن المقولات الكلاسيكية له، مثل (الخلافة، والدستور الإسلامي، ودور الانجليز في وضع الأمّة).
ثالثًا: تيّار "المحبة"، وهو تيار يقوده ويرأسه، محمد الهاشمي حامدي، (صاحب قناة المستقلة، وهو الذي تواصل وأقام علاقات مع النظام السابق بعد أن كان يعارضه، ثم سانده بشكل مطلق)، تم تأسيس حزب باسم "المحافظين التقدميين" في 15 تموز/يوليو 2011، وله واجهات عدة على غرار "العريضة الشعبية"، و"تحالف تونس الجميلة"، وشهد انشقاقات عدة منذ أشهر لأغلبية نوابه في المجلس التأسيسي، حيث التحق أكثر من 15 نائبًا بأحزاب "الاتحاد الوطني الحر" (بقيادة سليم الرياحي)، وحزب "الانفتاح والإصلاح" (بقيادة البحري الجلاصي)، وحزب "الأمان" (بقيادة لزهر بالي)، وحركة "نداء تونس" (بقيادة الباجي قايد السبسي)، ويصر الحامدي لقيادة الحزب بـ"السكايب"، الذي لم يعد إلى تونس حاليًا، كما يعمد إلى استعمال خطاب شعبوي، ومن أبرز وجوه التيار حاليًا في تونس إسكندر بوعلاق، وسعيد الخرشوفي.
رابعًا: الأحزاب السلفية المُقنّنة، أولها؛ حزب "جبهة العمل والإصلاح"، وهُو أوّل حزب سلفي في تونس، ويعتبر تواصل لتجربة تنظيم "الجبهة الإسلامية"، (بقيادة محمد علي الحراث) في تونس، والتي شن نظام الجنرال المخلوع حملة اعتقالات عليها في نهاية الثمانينات، (180 موقوفًا ومعتقلًا)، يرأسه حاليًا الجامعي محمد خوجة، ويتواجد في عدد من المحافظات، وله مواقف بارزة من القضايا العربية والإسلامية، ولم يستطع البروز سياسيًّا وإعلاميًّا.
ثانيها؛ حزب "الأصالة"، تأسس في العام 2012، وهو حزب سلفي جديد، وصغير الحجم، يرأسه علي المجاهد، الذي كان مقيمًا في فرنسا في فترة الرئيس المخلوع، وتتراوح مواقفه بين الثناء على الحكومة وانتقادها، وتم منع أحد ضيوف الحزب من الخارج، ويقتصر تواجد الحزب إعلاميًّا على حضور رئيسه في بعض برامج قناة "نسمة" وبعض الحوارات الصحافية القليلة.
ثالثها؛ حزب "الرحمة"، تأسس في بداية آب/أغسطس الماضي، وهو حزب جديد، وغير معروف، يقوده الإمام سعيد الجزيري، كان إماما في جهة المروج، وكان مقيمًا في كندا، كما أن عناصره تكاد تنحصر في بعض المقربين من الجزيري.
خامسًا: أحزاب إسلامية ظهرت وتأسّست بعد الثورة؛ حيث تأسّس الكثير من الأحزاب الإسلامية بعد الثورة، واعتمدنا منطق التسمية أو بناء على الأهداف والأدبيات والمواقف والبيانات، ومن بين تلك الأحزاب، ولم نأتِ على ذكرها جميعا؛ حزب "الكرامة والمساواة"، الذي تم إشهاره في 3 آذار/مارس 2011، ويقوده رياض العامري، الذي يؤكد أن الحزب يعبّر عن طموحات المواطن التونسي المسلم، ويجسمها في اختيارات جديدة في عصر الحرّية.
و"الحركة الوطنية للعدالة والتنمية"، حزب صغير، من حيث عدد أنصاره، ويرأسه مراد الرويسي، وتأسس في 3 آذار/مارس 2011، ويهدف إلى المحافظة على مبادئ وقيم الجمهورية التونسية، على أساس أن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة العربية لغتها والإسلام دينها، ويُؤكِّد الحزب على ترشيد المواطن التونسي لقيم إنسانية عليا، أهمها الكرامة، والحرية، والعدل، والعمل.
حزب "العدل والتنمية"، حزب صغير، ويرأسه محمد صالح الحدري، عسكري وسجين سابق، وتأسس في 18 آذار/مارس 2011، وتنطلق رؤيته من فلسفة ابن خلدون القائمة على فلسفة، أنّ العدل هو أساس العمران، فمن غير عدلٍ لا ديمومةَ لأيّ دولة، وانحسر تواجد الحزب بدايةً من العام 2013، بعد حضور إعلامي وسياسي سنتي 2011 و 2012.
"اللقاء الإصلاحي الديمقراطي"، ويرأسه خالد الطراولي، وتأسس في 22 آذار/مارس 2011، ويُعرّف نفسه بأنه حركة سياسية واجتماعية تسعى إلى تبني وخدمة وترويج لخطاب سلمي، ورؤية إصلاحية إجرائية وحضارية، ذات مرجعية إسلامية وديمقراطية، ويقتصر نشاط الحزب على بعض البيانات الإعلامية، والمشاركة في بعض الندوات الفكرية.
حزب "العدالة والتنمية"، حزب صغير، ويرأسه عبدالرزاق بن العربي، خبير محاسب، وتأسّس في 22 نيسان/أبريل 2011، ويتبنى الاقتصاد الاجتماعي المتوازن والمستديم، كما يتبنى اللامركزية على مستوى الإدارة والشفافية في مستوى المعاملات، وتغيرت قيادة الحزب أكثر من مرة، وهو ما قلص هامش حضوره السياسي والإعلامي.
حزب "الكرامة والتنمية"، برئاسة جهاد الباروني، وتأسس في 18 آذار/مارس 2011، وينطلق الحزب من فكرة أنه ليس هناك تناقض بين الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي والحداثة السياسية والفكرية، وأن الانتماء للحضارة العربية الإسلامية، هو انتماء ثقافي، ويظل الدين اعتقادًا شخصيًّا، ولا نشاط سياسي للحزب من الناحية العملية.
حزب "الوحدة والإصلاح"، حزب صغير، ويرأسه عزالدين بوعافية، تأسس في 19 أيار/مايو 2011.
"الحركة التونسية للعمل المغاربي"، حزب صغير الحجم، برئاسة مصطفى المنيف، وتأسس في 24 أيار/ماريو 2011، وشهد انشقاق القيادي، نورالدين الختروش، الذي أسس حزبًا خاصًا به، وهو حزب "حركة البناء المغاربي".
حزب "الزيتونة"، وهو حزب صغير، ويقوده عادل العلمي، وتأسس في العام 2014، وهو يدعو علنًا إلى تعدد الزوجات، وتعتبر مواقف العلمي مثيرة للجدل، إذ ترفضها كل النخب التونسية.
سادسًا: أي مستقبل لفسيفساء الأحزاب الإسلامية؟
عمليًّا تعتبر الكثير من الأحزاب الأخرى، التي لم نأتِ على التعريف بها بشكل مُفصَّل، أحزابًا إسلامية من بين الأحزاب القانونية التونسية المعترف بها، والتي يبلغ عددها حاليا أكثر من 190 حزبًا، سواء وفقا لتعريفها المُقدَّم من طرفها كأحزاب بأنها إسلامية، أو وفقًا لطبيعة أدبياتها وأهدافها، على غرار حزب "الوحدة"، بقيادة بشير الرويسي، وهو حزب تتهمه أطراف عدة بأنه حزب شيعي ومقرب من الإيرانيين، أو حزب حركة "البناء المغاربي"، بقيادة نورالدين الختروش، أو حزب "النور"، بقيادة عبدالرحمن البهلول، صاحب صحيفة "المحرر" اليومية، التي توقفت عن الصدور، أو حركة "شباب تونس الأحرار"، بقيادة الصحبي المختاري، وهو حزب انتهى موضوعيًّا وواقعياًّ، أو "المؤتمر الشعبي"، بقيادة حمدة الشايبي، وهو حزب صغير جدًّا، ويبحث عن الدخول في إحدى التحالفات السياسية، وحزب "الفضيلة"، بقيادة المحامي, رمزي الخليفي، وهو الذي كان قياديًّا في حزب "الخضر للتقدم" أحد أحزاب الديكور في عهد المخلوع، و غيرها من الأحزاب الأخرى.
ويبقى الحراك السياسي في المرحلة المقبلة، مُحدّدًا ليتطوّر عدد وفعل بعض الأحزاب الإسلامية، على أن غالبية تلك الأحزاب، ستختفي من الساحة السياسية، إثر الانتخابات المقبلة، بعد أن تقلّص وجودها التنظيمي بشكل كبير إثر انتخابات 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011.
وسيكون مستقبل حركة "النهضة" التنظيمي والسياسي وطبيعة تطورات الأوضاع في ليبيا ومصر والجزائر محددًا في فسيفساء المستقبلية للأحزاب الإسلامية في تونس، أوّلًا لأن حركة "النهضة" لن تستطيع أن تُغطي الخلافات بين الإسلاميين وهي خلافات أكثر من أن تُحصى، ولأن وضعيتها التنظيمية الداخلية قابلة لكل الاحتمالات وفي كلّ الاتّجاهات، وتبقى نتائج الانتخابات القادة أكبر تلك المحددات.
وفي كل الحالات سيبقى التحرير حزبًا قائمًا بغض النظر عن مستقبل بنيته التنظيمية، وستبقى حركة "النهضة" أكبر الأحزاب الإسلامية بغض النظر عن موقعها السياسي، وعن طبيعة النتائج المتحصل عليها، أما بقية الأحزاب الإسلامية فسينحصر عددها وفعلها السياسي.
أما الأحزاب السلفية المقننة، مثل: الرحمة، والأصالة وأيضًا ذات الطبيعة السلفية من حيث التكوين والخلفية، "الفضيلة"، و"الزيتونة"، فستنهي تنظيميًّا وفعليًّا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات المقبلة، وحتى إن بقيت على الساحة ففعلها سيكون هامشيًّا.
وسيتطور الوجود التنظيمي لحزب "العمل والإصلاح" نحو التجذّر وسيضطر لإعادة تقييم مساره، كما من الوارد بعد الانتخابات المقبلة، أو حتى قبلها بأشهر، ميلاد حزب سلفي شبيه بحزب النور المصري، وسيبقى المدى الزمني لذلك مرتبطًا بالتطوّرات التي ستحصل في المنطقة المغربية والشرق أوسطية، وأيضًا في مستقبل تيار "أنصار الشريعة" وفي أجندة الكثير من الدول الخليجية في المنطقة.
أرسل تعليقك