فيينا ـ سليم الحلو
واجه الحزب الديمقراطي الألماني خطر الانهيار بعد أربع سنوات من ظهوره كبديل قوي لقيادة أنغيلا ميركل لألمانيا، حيث يقول مؤيدوها أن سيطرت ذلك الحزب على السياسة الألمانية تمثل تهديدا للديمقراطية في البلاد.وإذا ثبتت صحة استطلاعات الرأي فان أنغيلا ميركل ستؤمن مكانها على رأس السياسة الألمانية لما سيصل إلى 16 عاما بعد نتائج الانتخابات التي ستجري يوم الأحد، ومن المؤكد أن المستشارة التي تبلغ من العمر 63 عاما قد وفرت للبلاد شعورا بالاستقرار لأكثر من عقد من الزمان، ولكن اللامبالاة السياسية قد عصفت بالأمة وتركت العديد من الناخبين يشعرون بالإحباط إزاء عدم وجود بديل، لذا تسعى ميركل وخصمها الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز اليوم، لتعبئة أنصارهما والفوز بتأييد المترددين في نهاية حملة انتخابية تشهد توترا مع صعود اليمين القومي، حيث تعقد ميركل التي تتوقع استطلاعات الرأي فوزها بولاية رابعة الأحد، تجمعا انتخابيا مساء في ميونيخ، فيما يتوجه شولتز "61 عاما" إلى مؤيديه في برلين، وإن كان المحافظون ما زالوا متقدمين بفارق كبير على الاشتراكيين الديمقراطيين، إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة من شأنها أن تثير مخاوفهم، وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "زد دي إف"، ونشرت نتائجه مساء الخميس فوز الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحليفه البافاري بـ 36% من نوايا الأصوات، ما يقرب المحافظين من ثاني أسوأ نتيجة انتخابية في تاريخهم (35،1% عام 1998).
ويرى شولتز في هذا التراجع "انقلابا في الموقف في اللحظة الأخيرة" على خلفية "قلق هائل" لدى المواطنين، غير أن الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي ليس المرشح المستفيد من هذا التوجه، إذ ينسب استطلاع الرأي للاشتراكيين الديمقراطيين 21،5% فقط من نوايا الأصوات، في حصيلة غير مسبوقة في تاريخ أقدم أحزاب ألمانيا، وحقق حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي أكبر تقدم في نهاية الحملة بحصوله على 11% من نوايا الأصوات، فيما تتوقع له استطلاعات أخرى للرأي نسبة أعلى، ورأت صحيفة "در شبيغل" أن "كل يوم جديد من الحملة الانتخابية هو يوم جيد لشعبويي اليمين"، ولم يبد المحافظون يوما أي شكوك في فوز زعيمتهم، وهذا السلوك أدى بحسب الأسبوعية إلى حملة أجمع الرأي العام والإعلام على أنها باهتة، بل أكثر من ذلك، أثار استياء مؤيدي "البديل لألمانيا" والألمان الذين خيب أداء الحكومة آمالهم، فرأوا فيه دليلا جديدا على "غطرسة السلطة في آخر سنوات ميركل"، وفي استمرارية لأسلوبها المتبع حتى الآن، لم تقدم ميركل التي تقود البلاد منذ 12 عاما أي اقتراح ملموس فعلا، مكتفية ببث رسالة مطمئنة عن "ألمانيا يطيب العيش فيها"، بمأمن من المخاطر الخارجية المتمثلة في رئاسة دونالد ترامب أو "بريكست" مثلا.
أما خصمها، ففشل في إقناع الناخبين حين ندد بالفروقات الاجتماعية في بلد يسجل نموا قويا ونسبة بطالة في أدنى مستوياتها منذ إعادة توحيد البلاد، وتسببت التوقعات بوصول اليمين القومي إلى مجلس النواب ليكون أول حزب من هذا النوع يتمثل في البرلمان منذ 1945، بقيام جدل أخير قبل الانتخابات، وتعرض بيتر ألتماير مساعد ميركل في المستشارية لانتقادات عديدة بما في ذلك من معسكره نفسه، بعدما أعلن أنه من الأفضل الامتناع عن التصويت بدل التصويت لـ"البديل لألمانيا"، وندد وزير الخارجية الاشتراكي الديمقراطي سيغمار غابريال بـ"تخاذل" المحافظين "أمام الشعبوية اليمينية"، وعلقت المستشارة الخميس عبر الإذاعة العامة أن الوسيلة الوحيدة لقطع الطريق على "البديل لألمانيا" تكمن في "التصويت لأحزاب تشعر بالتزام تام بقانوننا الأساسي".
واستبعدت ميركل تقاسم السلطة مع المتطرفين، سواء "البديل لألمانيا" أو اليسار الراديكالي اللذين يتنافسان على المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي،والخيار الأبسط نظريا يقوم على الاستمرار في "الائتلاف الكبير" مع الاشتراكيين الديمقراطيين، ما يضمن الاستمرارية في السياسة الألمانية، غير أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يشهد أزمة وجودية قد يختار هذه المرة الانتقال إلى المعارضة لاستعادة زخمه، وأمام المستشارة احتمال آخر، هو التحالف مع الحزب الليبرالي الذي يرجح أن يعود إلى مجلس النواب بعدما خرج منه عام 2013، أو مع الخضر، غير أن تشكيل ائتلاف مع أي من هذين الحزبين الصغيرين يبدو مستحيلا على ضوء استطلاعات الرأي، وفي مطلق الأحوال، من المتوقع أن يكون من الصعب للغاية إدارة الخلافات بين البيئيين والليبراليين حول مواضيع مثل مستقبل الديزل أو الهجرة، كما أن زعيم الليبراليين كريستيان ليندنر (38 عاما) المعارضة بشدة للكثير من المواضيع وفي طليعتها الاقتراح الفرنسي بإصلاح منطقة اليورو، قد يكون شريكا يصعب التعامل معه بالنسبة لأنغيلا ميركل، ويطالب حزبه منذ الآن بوزارة المالية الذي يعتزم الاتحاد المسيحي الديموقراطي إبقاءها تحت إشراف فولفغانغ شويبله (75 عاما) أحد أقرب المقربين من المستشارة.
وقبل يومين على إجراء الانتخابات التشريعية في ألمانيا، تختتم المستشارة الألمانية حملتها الانتخابية مع الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الذي يشكل مع حزبها ما يعرف باسم "التحالف المسيحي"، وسيشارك في الفعالية الأخيرة للحملة الانتخابية لـ"ميركل"، رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري ورئيس حكومة ولاية بافاريا، هورست زيهوفر، ووزير داخلية الولاية، يواخيم هيرمان، تجدر الإشارة إلى أن الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري اتفقا على إدارة حملة انتخابية مشتركة لصالح ترشيح "ميركل" لفترة مستشارية رابعة بعدما سويا خلافهما حول سياسة اللجوء قبل بضعة أشهر، ولم يتضح بعد ما إذا كان الحزبان سيتوصلان إلى صيغة توافقية بشأن سياسة اللجوء في ائتلاف حاكم محتمل عقب الانتخابات،تجدر الإشارة إلى أن ميركل ترفض مطلب الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري بوضع حد أقصى للاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا سنويا.
وقال تقرير الصحيفة اليوم إن الشباب في ألمانيا لا يتجهون نحو اليسار مثل دول غربية أخرى بل يفضلون ميركل الخبيرة التي لم يشهدوا في حياتهم من يحكم بلادهم غيرها، وأضاف التقرير أن الشباب الصغار الذين لا يتذكرون بالتأكيد أي تفاصيل في حياتهم قبل المستشارة فبعد 12 عامًا في السلطة تبدو في طريقها نحو فترة جديدة من الحكم مدتها 4 سنوات يوم الأحد، من المحتمل أن يكون الشباب هم نواة المصوتين لميركل في الانتخابات المقبلة، فعلى سبيل المثال، 57% من أصوات الأشخاص الذين يدلون بأصواتهم لأول مرة ستكون لميركل، مقارنة بنسبة 21% فقط إلى منافسها مارتن شولز، بحسب استطلاع لمعهد "Forsa" الألماني، وتشير الأرقام إلى ابتعاد ألمانيا عن درب الدول الغربية التي يميل شبابها إلى تيار اليسار، حيث دعموا بيرني ساندرز الذي خسر الترشح عن الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية عام 2016، بجانب أيضًا دعم الشباب لجيرمي كوربين الليبرالي الذي قاد حزب العمال البريطاني في عرض قوي خلال الانتخابات الأخيرة في يونيو الماضي، واشار التقرير أيضًا إلى أن الإحصائيات السابقة تظهر تغييرًا في الداخل الألماني، حيث اختار المصوتون الشباب في السابق الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب الخضر في مرحلة ما بعد الحرب، وشهد عام 2013 أول مرة تحصد فيها ميركل المنتمية ليمين الوسط وتحديدًا للحزب الديمقراطي المسيحي، النسبة الأكبر من أصوات الشباب دون الحاجة لمساعدة الحزب الاجتماعي المسيحي.
وأضاف تقرير الصحيفة الأميركية أيضًا أن التصويت لو جاء مختلفًا عن المميزات السابقة له، فإن ذلك يعني أن أرائهم العالمية أيضًا تغيرت، فقد جاء الجيل إلى المشهد السياسي بعد أحداث 11 سبتمبر، ثم وبشكل مفاجئ لم يعد الاتحاد الأوروبي عنصر حاسم، كما أن الولايات المتحدة التي قادت ألمانيا إلى التطبيع السياسي، تنظر إلى الداخل ورئيسها الجديد يعد بـ"أمريكا أولًا"، وفي مدينة ماجدبورج يشعر الطلاب بالارتياح نحو استقرار ألمانيا، لكنهم كانوا متشائمين بخصوص السلامة حول العالم، وهو الأمر الذي يعاكس ما كان الوضع عليه مع الأجيال السابقة، ويقول فيليب تييل، 27 عامًا، الذي يخوض تدريبًا قبل أن يصبح مُعلمًا بجامعة المدينة: "أنا خائف من المستقبل، لا أتوقع حربًا عالمية ثالثة، لكن ربما شيئًا مثل ذلك، مع وجود كل من كوريا الشمالية وتركيا وبوتين وترامب"، وأضاف أن ميركل ليست عدوانية عكس قادة في العالم، وقال: "هي نوع الأشخاص الذي سيقول: ابقوا هادئين".
أما بالنسبة لطالب الهندسة، إيريك سبيلير، فالقرار برجماتي بحت، حيث قال: "الديمقراطي المسيحي ربما لا يكون أفضل خيار، لكنه الأحسن في الوقت الراهن"، يعارض والده المدرس، الاشتراكيين الديمقراطيين لأنهم يسعون لفرض قيود على المدارس،، لكن الطالب صاحب 18 عامًا، الإجابة بالنسبة له بسيطة: "نحن نعرف ميركل"، المجتمع الألماني بشكل عام يتقدم في العمر بشكل كبير، فحوالي 15،4% ممن يُحق لهم التصويت تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، مقارنة بنسبة 20% بين 50 و60 عامًا، كما أن كبار السن من المحتمل أن يذهبون إلى مراكز الانتخابات بنسبة تفوق أصحاب الأعمار الصغيرة، ونقل التليغراف البريطانية عن، فولفجانغ جروندينغر، مؤلف كتاب "مهاويس السياسات القديمة"، إن الأجيال الأكبر في ألمانيا "تسرق المستقبل من الشباب،" مشيرًا إلى قلة الالتفات إلى التعليم وفقر الأطفال خلال نقاشات هذا الشهر قبل الانتخابات، وبرغم كونه عضو بالحزب الديمقراطي الاجتماعي، إلا أنه لا ينفي تحمله جزء من المسئولية، وقال في إشارة إلى الحزب: "أقل من 3% من أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي تقل أعمارهم عن 25 عامًا، مما يعني أن أعمار الشباب الأصغر لا تلعب تقريبًا أي دور في النقاشات اليومية"، بينما يحاول، بول زيمياك، المرشح البرلماني صاحب 32 عامًا، ورئيس منظمة مختصة بشئون الشباب مرتبطة بكتلة يمين الوسط المنتمية لها ميركل، أن يضخ دماءًا أكثر شبابًا إلى الحكومة، وقال إن من بين أهدافه، هو تمكين الشباب الصغار ليصبحون معارضين لحزب البديل من أجل ألمانيا القومي المعادي للمهاجرين، والذي ربما يمثل ثالث أكبر كتلة في البرلمان الألماني بعد تصويت الأحد
أرسل تعليقك