نيويورك ـ سناء المر
أثار إعادة تصنيع تمثال لجانب من رأس بشرية من القصر الشمال الغربي في كالح العراقية، والتي كان تم تجريفها من قبّل تنظيم "داعش" العام الماضي، الجدل بشأن دقة استخدام التكنولوجيا لترميم الأثار التي دمرتها الحرب.
وأعيد بناء موقعين أثريين سوريين بشكل كامل، وهما حجرة الأرشيف الخاصة بمدينة إبلا الأثرية السورية، وجزء من سقف معبد بل الموجود في تدمر السورية، كأمثلة على كيف يستطيع الصراع تدمير التراث الهش الخاص بالبلاد. وأوضحت فرانسيس بينوك، المدير المشارك لحملة إبلا، وهي أهم حملة إيطالية أثرية لسورية، قائلة "كالح كانت هي أول مكان يتم تدميره، وكان قصرًا معروفًا مثل قصر فرساي، وهو أهم القصور الملكية في فرنسا، الخاص بالشرق الأدنى القديم، ولذلك تمّ اختياره لأنّه كان يُمثِّل رمزًا".
وأضاف بينوك، والتي هي أيضًا عضو في اللجنة العلمية للمعرض، "لقد ضممنا إبلا لأنّها تمثل الهجر، وتدمر هي جرحٌ ومكان لجرائم القتل العنيفة، ليس فقط قتل خالد الأسد، الذي كان رئيسًا متقاعدًا لآثار مدينة تدمر، وقُتل في آب/أغسطس 2015، بعد ثلاثة أشهر من استيلاء تنظيم "داعش" على المدينة، ولكن أيضًا لأكثر من دستة من الموظفين تم قتلهم بطرق وحشية، فقط لأنهم حاولوا حماية التراث".
وعلى الرغم من استمرار العنف في الشرق الأوسط، يواصل علماء الآثار والمسؤولون من منظمات دولية متنوعة، اكتشاف خيارات متعددة لإعادة بناء المواقع الأثرية في سورية والعراق، في حالة هدوء القتال. وأكد ستيفانو دي كارو، المدير العام للمركز الدولي لدراسة حفظ وترميم الممتلكات الثقافية، مقره روما، والذي هو أيضًا عضوٌ في اللجنة العلمية، أن هناك نقاشٌ كثيرٌ بشأن كيفية إعادة ترميم ما فُقِد، هذا هو اقتراح واحد يجمع بين الوثائق التقنية والمهارة اليدوية".
وأعلن دي كارو قائلًا "تم تنصيب نسخة من قوس النصر القديم في تدمر، الشهر الماضي، والذي كان تم تدميره قبل عام، في حديقة قاعة المدينة في نيويورك، وتم تصميم هذا النموذج باستخدام المسح ثلاثي الأبعاد، ولكنه أصغر من الأصلي، ومكتمل بنسبة أقل، كما اقترح بعض المسؤولين". والنماذج الإيطالية هي إعادات بناء واحدٍ لواحدٍ، مبنيّة على توثيق واسع من أنواع مختلفة، بعد أن يتم تصنيعهم بواسطة تقنيات طبع ثلاثية الأبعاد، المنتجات المُعاد تصنيعها يتم تغطيتها بطبقة من المواد البلاستيكية المخلوطة بمسحوق أحجار، ويتم الانتهاء منها يدويًا لتحل محل الأصلية قدر الإمكان.
وأشارت بينوك، إلى أنّ المُرمم الذي مقره في فلورنسا الإيطالية، والذي أكمل تمثال النمرود أضاف بعض الخدوش على السطح لتعطي الشعور الخاص بمرور الوقت. ومثل تلك التفاصيل الدقيقة كانت مُمكنة لأن المُرمِم عمل من خلال صور عالية الوضوح، تم التقاطها بواسطة ضباط الجيش الأميركي، وتخزينها في وقتٍ لاحق في الموصل، قائلة "أظهرنا أنّه من الممكن علميًا القيام بعمل جيد". وأكدت ان إعادة ترميم مدينة إبلا تم الانتهاء منه بواسطة شركة مقرها في روما، متخصصة في مواقع تصوير الأفلام، بينما سقف معبد تم تصنيعه بواسطة شركة في فيرارا الإيطالية، والتي تعمل بالفعل في النسخ.
وبيّن فرانسيسكو روتيلي، عمدة روما ووزير الثقافة السابق، أن هذه ليست مجرد موضوعات منفصلة، ولكنها علامات على إعادة إحياء التاريخ والسياق والقيم الخاصين بالحضارة، بفضل معرفة الإيطاليين كيف يتم ذلك، فهذه هي قصة إيطالية أيضًا التي تراها هنا الآن". ويعرض أيضًا تمثالين نصفيين من الرخام من المتحف الخاص بتدمر، والذي تم تدميره خلال احتلال تنظيم "داعش"، للمدينة الذي دام 10 أشهر. وتم إحضار التماثيل المُدمّرة بشكلٍ بالغٍ إلى إيطاليا، من أجل استعادتها وترميمها، وقامت برحلة شاقة من دمشق إلى روما عن طريق بيروت بلبنان.
وقال روتيلي "كانت القطع الأثرية الوحيدة التي تترك سورية تتم عن طريق الاتجّار غير المشروع، ولكن هذه خرجت عن طريق اتفاق، وعلى الرغم من كونه أمرًا نادر الحدوث أثناء الصراع أن يُفتح ممر للثقافة، فقد سمح المسؤولون الثقافيون في دمشق للتماثيل بالسفر، لأنّهم علموا بأنّ تلك القطع ستكون في أيدي أمينة، وسيتم عرضها في بقعة مرموقة، وسوف تصل محنة الفن السوري إلى العديدين".
وأشار فرانسيسكو بروسبيرتي، مسؤول الفن المسؤول عن المنطقة الأثرية الرئيسية في روما، إلى أن مسرح الكولوسيوم هو المكان الأكثر زيارة في الدولة، مضيفًا "تم اختياره لإعطاء أكثر قدر من الوضوح لـ "توصيل رسالة للعالم بأهمية التراث الثقافي وقيمته كجزءًا من الهوية الوطنية، والحاجة لحمايته، والحفاظ عليه، واستعادته، وفي بعض الحالات إعادة بنائه مرة أخرى".
أرسل تعليقك