أجمعت مصادر رسمية لبنانية، مواكبة لانطلاق الوساطة القطرية لدى المجموعات المتطرفة المسلحة، لاسيما "جبهة النصرة" و"داعش"، للإفراج عن العسكريين المخطوفين، على ضرورة عودة الوسيط القطري قريبًا جدًا إلى لبنان لاستئناف وساطته، بعدما تمكنت وحدات الجيش اللبناني المتمركزة في أطراف بلدة عرسال البقاعية، وفي المناطق المقابلة للمناطق الجردية التي تتمركز فيها تلك المجموعات، من إنزال خسائر بشرية فادحة في صفوفها، بلغت عشرات القتلى، بينهم عدد من قادة المواقع، إثر استشهاد عسكريين لبنانيين، وجرح ثلاثة، جراء تفجير عبوة لاسلكيًا، استهدفت شاحنة عسكرية في البلدة.
وأكّدت المصادر المواكبة للوساطة التي يتابعها المدير العام للأمن العام اللواء الركن عباس إبراهيم، بالتنسيق المباشر مع رئيس الحكومة تمام سلام، ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، أنّ "الوسيط القطري كان يفترض وصوله إلى بيروت الجمعة الماضي، لكنه أجّل مجيئه"، رافضة الخوض في الأسباب التي بقيت طي الكتمان، وغابت كليًا عن الاجتماع الأمني الذي رأسه الرئيس سلام.
وأضافت أنَّ "الاجتماع الأمني لم يتطرق إلى مهمة الوسيط القطري"، ونقلت عن الذين شاركوا فيه قولهم "لم نتدخل في تفاصيل هذه الوساطة، ولم نسأل عن المراحل التي قطعتها لأن هناك ضرورة لإبقاء سرّية المفاوضات، وكل ما تبلغناه بقي محصورًا في تأكيد سلام للمجتمعين عدم تبلغ مطالب من المجموعات المسلحة في مقابل الإفراج عن العسكريين، وأن الجهد في الوقت الحاضر يتمحور على ضمان سلامتهم في ضوء الإنذارات المتتالية من هذه المجموعات بتصفية بعضهم على دفعات، إذا لم تستجب مطالبها التي ما زالت مجهولة".
ورأت المصادر أنَّ "الوسيط القطري أبلغ عبر قنوات الاتصال القائمة معه أن لا تفاوض طالما أن القتل لا يزال قائمًا، وهذا ما صرح به رئيس الحكومة".
واستبعدت أن يكون للوسيط القطري دور في أجواء الحذر الشديد الذي سيطر على الوضع ما بين عرسال وجرودها، بعدما تمكنت وحدات الجيش اللبناني من الرد بشدة على مواقع المجموعات المسلحة، التي منيت بخسائر بشرية كبيرة إذ أصابت القذائف مباشرة معظم مراكز تجمعاتها.
يأتي هذا فيما توقعت جهات أخرى أن يكون الوسيط القطري أجرى اتصالات من خلال قنواته الخاصة مع عدد من مسؤولي المجموعات المسلحة إفساحًا في المجال أمام معاودة وساطته، بعيدًا عن الضغوط التي مارستها، وآخرها إعدام الجندي في الجيش محمد حمية رميًا بالرصاص.
ولم يقلل ذلك إصرار الوحدات العسكرية على استهداف مواقع تلك المجموعات بالقذائف الصاروخية والمدفعية، فيما اعتبرت المصادر أنّ "رد وحدات الجيش على المواقع التي تتمركز فيها المجموعات المسلحة سيدفعها عاجلًا أم آجلًا إلى مراجعة حساباتها الميدانية، إضافة إلى أنَّ الضغوط التي تهدد من خلالها بتصفية عدد من الجنود على مراحل، لم تؤدِ إلى التراجع عن الخطة التي وضعتها قيادة الجيش، وأدت إلى فصل عرسال عن جرودها، وقطع معظم المسارب والممرات التي تربط بينهما، إضافة إلى تشددها في فرض حصار منعت من خلاله إيصال المحروقات إلى المسلحين لتخزينها مع اقتراب فصل الشتاء".
وأضافت أنَّ "هذه المجموعات لم تتمكن باستخدامها ورقة العسكريين المخطوفين من ابتزاز الحكومة اللبنانية، لتطلب من قيادة الجيش أن ترفع حصارها التدريجي الذي فرضته على هذه المجموعات، لاسيما أن الاجتماع الأمني برئاسة سلام جدّد دعمه الجيش وتأمين الغطاء السياسي له، في تصديه للمجموعات المسلحة".
وأبرزت أنَّ "لجوء الأخيرة إلى ذبح عدد من العسكريين لن يبدل قواعد الاشتباك، التي بدأت الوحدات العسكرية بتنفيذها".
وفي سياق التداعيات المترتبة على ردود الفعل، إثر قتل العسكريين على يد المجموعات المسلحة، كشفت مصادر وزارية بارزة أنَّ "الجهود منصبة على وقف عمليات الخطف التي تستهدف مواطنين من عرسال لأن هناك ضرورة لتحصين الساحة الداخلية في وجه تلك المجموعات التي تراهن على إحداث فتنة بين الشيعة والسنّة، تتيح لها أن تقدم نفسها على أنها المنقذ للسنّة الذين ما زالوا يرفضونها، ولا يمكن أن يشكلوا حاضنة لها في عدوانها على الجيش".
وأكّدت هذه المصادر "ضرورة اعتماد الاعتدال في التوجه من أهالي العسكريين المخطوفين لأن العدو واحد، يتمثل في المجموعات الإرهابية، التي يخدمها الانجرار وراء التحريض والمزايدات الشعبوية".
ولفتت إلى "دور الجيش والقوى الأمنية في الحفاظ على التعايش بين اللبنانيين لقطع دابر الفتنة، لاسيما بين الشيعة والسنّة"، معتبرة أنّ "الإجراءات الأمنية تبقى عاجزة عن الإمساك بزمام المبادرة ما لم تكن مدعومة بموقف سياسي موحد، لأن إقحام البلد في تجاذبات سياسية عبر تبادل الاتهامات يعيق دورها في الحفاظ على الاستقرار العام".
ولم تستبعد المصادر إمكان إقامة مناطق عسكرية في المناطق الساخنة في البقاع الشمالي، دون الإعلان عنها، باعتبار أن مثل هذا التدبير الاستثنائي سيؤدي إلى محاصرة من يحاول الإخلال بالأمن وانهاك القوى العسكرية في أمور داخلية، عوضًا عن "حصر جهودها في تصديها للمجموعات التطرف".
أرسل تعليقك