ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة
آخر تحديث GMT11:01:24
 العرب اليوم -

ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة

رسومات أطفال سورية
دمشق - نهى سلوم

ربما تستطيع إخراج طفل من الحرب, لكن من الصعب أن تُخرج الحرب من الطفل, على أزيز الطائرات يفتتحون صباحهم, ودوّي المدافع يرافق تفاصيل يومهم, أما مشاهد القتل والدمار فشريط أمام أعينهم كل يوم, ويجلسون في باقي النهار مشدوهين أمام شاشات التلفاز نقلاً حيًا لفصول الحرب.
ويهرب الأطفال في الحرب من عالم الواقع إلى عالم الخيال, ولكنه خيال يحمل الألم الدفين ذاته, تارة باللعب يتخيلون أنفسهم قادة عسكريين يخططون للهجوم على حاجز, وأخرى بالرسم معارك وشهداء محمولين على نعوش, ليعكسوا برسوماتهم المآسي التي شاهدوها, ويترجموا أصوات القصف شخابير سوداء فوق بياض أوراقهم, فماذا عن أطفال الحرب في المدن السورية وكيف يعبرون عن دواخلهم من خلال رسومهم؟.
نور، طفلة لم تتجاوز العاشرة من العمر، ما أن تمسك ورقة الرسم خاصتها حتى تدهنها بالأحمر مُحوِّلة البياض إلى حمار قاتم ومن ثم تحدّق فيها طويلا, وحين تسألها عن مبرر ذلك تجيب من دون تردد لأنني أكره هذا اللون, نور التي قضت أكثر من سنتين في إحدى أكثر المناطق سخونة في سورية، وشهدت مقتل العديد من أفراد عائلتها تقول إن لهذا اللون رائحة كريهة، وهي تريد أن تستخدم كل أقلام التلوين الحمراء تفسر ذلك "أريد أن أُنهي كل أقلام التلوين الحمراء علّ هذا اللون ينتهي من العالم".
ويغدو اللون الأحمر لدى الطفل هنا لونًا لا يرمز بل يدل على الموت, الدم يصير حجابًا للموت، أرضية تتمازج فيها الخطوط الملونة مع بقع من الأحمر.
أما مايا، 13 سنة، فقد تجاوزت المعرفة إلى الفعل، مايا التي كانت حاضرة في أكثر من عملية تفجير لسيارات مفخخة ونجت منها بأعجوبة لم تَغِب عن عينها مشاهد البيوت المدمَّرة، وأشلاء القتلى المتناثرة، التي تبدو واضحة في رسوماتها, و صورة لإحدى قريباتها التي سقطت ضحية أمام عينيها, مايا التي كانت تعشق الرسم هجرت أوراقها وتركتها مساحات خالية, واكتفت بالعزف على آلتها الموسيقية المفضلة "الكمنجة"، وباتت تكرر عليها لحنًا من تأليفها أسمته "لحن الوداع"، وتشرحه ابنة العاشرة قائلة "هذا اللحن مُهدى للذين غادرونا باكرًا".
ويظل الموت هو الحكاية الدائمة، كل يوم يجده الأطفال في البيوت والشوارع والمدارس والطرقات، وفي كل مكان، وتذهب محاولات الآباء والأمهات سدى في التخفيف من أثر هذا الواقع على أطفالهم.
شام، ابنة التاسعة، والتي تعرضت مدرستها لأكثر من مرة لقذائف الهاون, بات الذهاب للمدرسة بالنسبة إليها طقسًا جنائزيًا, ما أن تحصل شام على ورقة بيضاء حتى ترسم عليها مدرسة جميلة لا آثار للخراب عليها وتلونها بالألوان الزاهية, تُحدثنا شام وهي منهمكة في التلوين قائلة: "هذه هي المدرسة التي أريد الذهاب إليها".
لـ فجر، ابن الخامسة من العمر، قصة مختلفة مع الرسم, فجر يكره العتمة التي يخلفها انقطاع التيار الكهربائي, لذلك يملأ أوراقه البيضاء شموعًا وفوانيس وشموسًا, متمنياً أن يتمكن من استخدامها في الإضاءة عند انقطاع الكهرباء, وبعصبية طفولية يجيب عن سبب رسمه لكل هذه الفوانيس يقول: "أوووووف كم أكره العتمة".

ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة


ويُركِّز علماء النفس والتربويون على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال، فغالبًا ما يصاحب الصدمةَ خوفٌ مزمنٌ من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الحرب وصوت الطائرات والعتمة , يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.
وليد. د، شاب متطوع  في احد مخيمات اللجوء, يذهب وليد للمركز أربع إلى خمس مرات في الأسبوع, وكان هدفه إخراج الأطفال من مأساة الحرب وصدماتها, وهو يعرف طريقة تفكيرهم إلى حد ما, يحدثنا وليد قائلاً: كان إقبال الأطفال منذ البداية كبيراً على الرسم، لكن رسوماتهم كانت من أجواء الحرب، فقد بدأوا يرسمون الدبابات والصواريخ وطائرات الهليكوبتر والجثث الملقاة على الطريق، إلا أن درس الرسم ترك الأطفال يعبرون فيه من خلال رسوماتهم عن أفكارهم عن الحرب، ومنحهم شيئاً من المرح، خاصة بعد أن عبَّروا عما في داخلهم من مخاوف عن طريق الرسم.
إن أخطر آثار الحروب على الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقاً في جيل كامل ممن نجَوْا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها, تقول إحصاءات اليونيسيف "إن حروب العالم قتلت مليون طفل ويتمت مثلهم، وأصابت 4.5 مليون بالإعاقة، وشردت 12 مليونًا، وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب والصدمات النفسية"، الجزء الأكبر من هذه الأرقام يقع في بلداننا العربية.
ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة





 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة ذكريات وأحداث الحرب تَتَجلَّى في رسومات أطفال سوريّة



GMT 23:31 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
 العرب اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 22:06 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

3 عمليات حوثية ضد سفن ومدمرات أميركية وإسرائيلية

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 22:17 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين قبالة جربة

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب

GMT 18:03 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"

GMT 10:46 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.3 ريختر يضرب شرق إندونيسيا

GMT 01:08 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab