لندن - العرب اليوم
هل من الممكن أن يُسهم تلقي الصدمات الكهربائية، أو دفع غرامات مالية كعقاب ذاتي، في تحسين بعض سلوكياتنا الخاطئة؟ الكاتبة الصحفية تيفاني وين جربت معاقبة نفسها بهاتين الوسيلتين للتخلي عن استخدام الهاتف الذكي عند الإيواء إلى الفراش ليلًا.
وتوضح "وين" رغم أن السوار المصنوع من السيليكون الذي أرتديه حول معصمي يبدو بسيطا، فإنه في الحقيقة صُمم ليعمل بطرق ذكية ومعقدة.
ويتضمن ذلك السوار الأحمر بطارية صغيرة مستطيلة الشكل قابلة لإعادة الشحن، وهو ملاصق لمعصمي، وقد يرسل صدمات كهربائية تفوق قوتها 200 فولت.
وتبدو علامة الصاعقة الكهربائية واضحة فوق السوار، حتى لا أنسى الصدمة التي سترسلها هذه الوسيلة الذكية إلي.
وتقول الرسالة التي ظهرت على هاتفي إن السوار مشحون، وضُبط على أدنى مستويات شدة الصدمة، ولا يبقى شيء سوى أن أضغط على علامة الصاعقة لأتلقى صدمة كهربائية خفيفة.
وهذا الجهاز الذكي يُسمى "بافلوك"، وقد أثار جدلاً في الفترة الأخيرة. وبينما يرى البعض أنه وسيلة لكن لا طائل منها، يقول آخرون إنها ساعدتهم في التخلي عن بعض العادات السيئة، مثل قضم الأظافر، أو تناول الحلوى.
يقول مبتكر الجهاز مانيش سيثي، إن هذا الجهاز قد يجعل المستخدم يقلع عن عاداته التي يريد التخلص منها في غضون خمسة أيام فقط.
ويضيف "لهذا، قررت أن استخدمه بنفسي لأتوقف عن استخدام الهاتف الذكي في الفراش، بعد أن ذكر خبراء أن استخدام الهاتف في الفراش قبل النوم من المحتمل أن يسبب اضطرابات النوم، وربما العمى المؤقت".
ولا شك أن تسمية هذا الجهاز باسم "بافلوك" يعد استغلالاً لاسم عالم النفس الروسي الشهير إيفان بافلوف، الذي اشتهر بتدريب الكلاب على إفراز اللعاب عند سماع صوت الجرس الذي يسبق تقديم الطعام، فيما يعرف بنظرية "الارتباط الشرطي" لبافلوف.
ويأمل مطورو "بافلوك" أن تُحدث الصدمة الكهربائية التي يتلقاها المستخدمون أثناء ممارسة السلوك غير المرغوب، مثل استخدام الهاتف الذكي في الفراش في حالتي، على الربط بين هذا السلوك وبين الشعور بالضيق والألم، ومع الوقت يقل استمتاعهم بممارسته، وبالتالي يعزفون عنه تدريجيا.
وتحليت في النهاية بالشجاعة الكافية لأضغط على الزر وأتلقى صدمة كهربائية، لكنها كانت مزعجة عندما وصلت درجة شدتها إلى 50 في المئة فقط، ويتعذر تجاهلها.
فهل يعد العقاب البسيط، سواء كان بالصدمة الكهربائية، أو بفرض عقوبة مالية على النفس، وسيلة فعالة حقا لتغيير سلوكنا نحو الأفضل؟
الثواب مقابل الألم
ووفقا لنظرية "الاشتراط الإجرائي"، وهي نظرية أخرى في علم النفس تتعلق بطرق التعلم، يمكن للنتائج أن تتحكم في سلوك معين. فبينما يعد الثواب من النتائج التي تعزز سلوكا ما، أو تزيد من احتمالات تكراره، فإن العقاب يعد من النتائج التي من المفترض أن تقلل من احتمالات تكرار سلوك ما.
وحاول باحثون مقارنة طريقة استجابة الناس للثواب والعقاب في تجارب عديدة. وفي إحدى الدراسات على سبيل المثال، التي نشرت في دورية "كوغنيشن" (الإدراك) أدى المشاركون مهمة، وبحسب أدائهم فيها كانوا يخسرون أو يفوزون بعملات رمزية تساوي مبلغا زهيدا من المال.
وتوصل الباحثون إلى أن العقاب، حتى لو كان ضئيلا، مثل فقدان العملات الرمزية، كان كافيا لحمل المشاركين على تغيير اختياراتهم في المحاولات اللاحقة، في حين أن حجم المكافأة كان يؤثر على خيارات المشاركين أيضا.
ويقول جان كوبانك، الباحث في علم وظائف الخلية والجزيئات بجامعة ستانفورد، والمشارك في هذه الدراسة: "هذا يعني أن تفاعل الدماغ مع المكاسب يختلف عن تفاعله مع الخسائر. فلم يؤثر حجم الخسائر، سواء كانت خمسة سنتات أو 25 سنتا، في قرار المشاركين بالإحجام عن السلوك الذي أدى إلى الخسارة. فأنت تتفادى السلوك بنفس الدرجة من الإصرار بغض النظر عن عدد النقاط أو السنتات التي خسرتها".
لكن النتيجة اختلفت مع المكافأة. يقول كوبانك مفسرا: "عندما تكسب خمسة سنتات، من المرجح أن تعيد السلوك الذي أدى إلى إحراز المكاسب، لكن احتمالات تكرار السلوك ستكون أعلى لو ربحت 25 سنتا. وكلما زاد المكسب، زادت احتمالات تكرار نفس السلوك. على عكس الخسارة، فإن الإصرار على تفادي السلوك لا يتأثر بحجم الخسائر."
ويضيف كوبانك أن هذه النتائج قد يُستعان بها في تحديد طريقة إبداء الملاحظات السلبية وفرض العقاب خارج المعمل، ففي البيئة الدراسية على سبيل المثال، قد يضع المعلمون الدرجات بناء على النقاط السلبية والإيجابية.
ويقترح العلماء أيضا أن التلويح بالعقاب ربما يؤثر على السلوك في بعض الأحيان. وقد أشارت دراسة على سبيل المثال إلى أن رسم صورة لعينين كبيرتين تنظران إلى مكان غير مخصص للقمامة ويصر بعض الناس على إلقاء القمامة فيه، كان كفيلا بمنع الناس من إلقاء النفايات في هذا المكان، لأنهم شعروا أنهم مراقبون، وخافوا أن يراهم أحد وهم يلقون القمامة، أو أن يتعرضوا للعقاب.
وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات اللاحقة توصلت إلى وجود صعوبة في تكرار نفس أثر استخدام صورة العيون على السلوك الذي توصلت إليه هذه الدراسة.
ولعل الصدمة الكهربائية التي يرسلها سوار "بافلوك" كانت مؤثرة في تغيير سلوكيات البعض بسبب فكرة الخوف من العقاب.
إن مجرد النظر إلى علامة الصاعقة الكهربائية الكبيرة على سواري الأحمر كان كفيلاً بتذكيري بالصدمة الكهربائية التي سأتلقاها لو أمضيت وقتا أطول في النظر إلى الهاتف عند الإيواء إلى الفراش.
ورغم أن هذه العلامة لم تجعلني أتخلى كليا عن استخدام الهاتف في الفراش، فإنها زادت من إصراري على تحقيق هذا الهدف، وبت أقضي وقتا أقل بمراحل على الإنترنت كل ليلة.
ورغم ذلك، بعد خمسة أيام من تلقي الصدمات الكهربائية في الفراش عقابا على استخدام الهاتف، يمكنني القول إنها لم تساعدني في الإقلاع التام عن عادة استخدام الهاتف الذكي أثناء الليل.
إلا أن الوسيلة التي نجحت آخر الأمر في منعي من استخدام الهاتف ليلا، على الأقل في الأسبوع اللاحق، هي فرض غرامة مالية باهظة على نفسي كنت أدفعها لزوجي لينفقها على أشياء غير ضرورية.
وبعد ليلة واحدة، كانت الخسارة المالية كبيرة إلى حد جعلني أمتنع عن استخدام الهاتف لهذه الدقائق الإضافية.
ولكن بعد انتهاء التجربة، عدت إلى ممارسة العادات القديمة، وهذا يعني أنني سأواصل إيلام نفسي بالصدمة الكهربائية وإنفاق أموال طائلة إلى الأبد، ولعل هذا هو الثمن الباهظ للتخلي عن العادات السيئة.
أرسل تعليقك