واشنطن - العرب اليوم
عندما أعلن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكربرغ في تشرين الأوّل الماضي عن تغيير اسم الشركة الأم لمنصات التواصل الاجتماعي إلى "ميتا" بغية المساعدة في إنشاء عالم رقمي بديل يُعرف باسم "ميتافيرس" واجه موجة من السخرية. من ناحية، اعتقد البعض أنه كان يتعمّد إثارة الجدل لصرف الانتباه عن الضجة السياسية القائمة آنذاك، ومن ناحية اخرى، ظن البعض الآخر أن هذا الملياردير لا يزال يطارد أحلام الطفولة، مثلما سعى كل من جيف بيزوس مؤسس شركة "أمازون" وإيلون ماسك مؤسس شركة "تسلا" إلى غزو الفضاء.
تقول الشركة إن الأسواق التي تبلغ عائداتها السنوية المحتملة تريليوني دولار على الأقل يمكن أن تتعطل بسبب الميتافيرس. ويرى بنك "جيفريز" أنه على الرغم من أن هذه الظاهرة قد تكون على بعد أكثر من عقد، إلا أنها قادرة على تعطيل "كل شيء تقريبًا في حياة الإنسان".
وأفادت مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تقريرٍ لها إن عمالقة تكنولوجيا آخرين مثل شركة "مايكروسوفت" يخططون للنسج على منوال الميتافيرس، ولكن الشركات الكبرى وحدها التي لا تزال تخضع لسيطرة مؤسسيها لديها حظوظ أوفر بأن تصبح رائدة في هذا المجال. ويأتي زوكربيرغ على رأس هذه القائمة، وتجدر الاشارة إلى أن صافي ثروته يبلغ 125 مليار دولار ويسيطر بشكل شبه كامل على شركة تقدر قيمتها السوقية بنحو 908 مليار دولار.
كذلك نجد جين سون هوانغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" المتخصصة في إنتاج معالجات الرسوميات وتبلغ قيمتها السوقية 722 مليار دولار. هذا إلى جانب بوني ما، الرئيس التنفيذي لشركة "تينسنت" التكنولوجية الصينية العملاقة التي تبلغ قيمتها السوقية 550 مليار دولار، وتشتمل محفظته الاستثمارية في مجال الألعاب حصة 40 في المئة في شركة "إيبك غيمز" التي تمتلك لعبة "فورتنايت"، وهي واحدة من أشهر الألعاب في العالم. ويضاف إلى هذه القائمة تيم سويني مؤسس شركة إيبك غيمز، الذي أخبر وكالة "بلومبرغ" مؤخرًا أن ميتافيرس مثلت فرصة تقدر بمليارات الدولارات، وأن الشركات مثل شركته كانت تتسابق للوصول إلى مليار مستخدم بهدف تحديد معايير ميتافيرس المستقبلية.
وذكرت المجلة أن معركة المليارديرات على الميتافيرس في طريقها إلى أن تصبح مثل سباق غزو الفضاء بين بيزوس وماسك، ولكن بدلا من التنافس في علوم الصواريخ سيتنافسون في صناعة سماعات الرأس للواقع الافتراضي و"البلوكتشين" والعملات المشفرة والقدرات الحاسوبية.
لكن أهداف هؤلاء الأثرياء من استخدام "الميتافيرس" ليست واضحةً. وتساءلت المجلة، هل سيكون هناك عالم مستقبلي مستهلك للواقع الافتراضي بالكامل؟ و"الأفاتار"، والقصور المطلة على المحيط وغيرها من الألعاب الإلكترونية التي ستجعل العالم الحقيقي مكانًا مملاً للغاية مقارنةً بالعالم الافتراضي؟ أم سيكون "الميتافيرس" مجرد نسخة أكثر ثراء وتأثيراً لواقعنا الحالي، أي وسيلة للتواصل الاجتماعي والعمل والتسوق واللعب عبر الإنترنت حتى مع استمرار نسق الحياة في العالم الحقيقي كالمعتاد؟
أشارت "الإيكونوميست" الى أن إلقاء نظرة على طموحات أصحاب شركات "ميتا" و"إنفيديا" و"إيبك" و"تينسنت" يعطينا فكرة عن نطاق هذا المشروع. فعلى سبيل المثال، خصص زوكربيرغ مبلغا قدره 10 مليار دولار هذه السنة لتطوير سماعات رأس ونظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز الذي يأمل أن توفر نقطة وصول مهيمنة إلى ميتافيرس، مثلما تفعل هواتف "آيفون" التي تصنعها شركة "آبل" مع ويب المحمول.
وركزت "إنفيديا" على ما تسميه "أومنيفرس"، وهي تقنية تساعد في تجميع المهندسين والمصممين وأصحاب المهن الإبداعية الأخرى معًا غالبًا لصنع منتجات في إطار صناعي. وتعمل شركة "إيبك" منذ سنوات على إنشاء عوالم افتراضية، بما في ذلك لعبة فورتنايت.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ "أنرِيل إنجين" قد يكون التطبيق القاتل بالنسبة للميتافيرس، وهو منصة تمنح مطوريها وغيرهم من المطورين القدرة على صنع تجارب ثلاثية الأبعاد نابضة بالحياة بما في ذلك الألعاب والأفلام والنماذج المعمارية والتصميمات الصناعية.
أما شركة "تينسنت" المتخصّصة في مجال الألعاب والإنترنت، فهي من الشركات المهيمنة في الصين على هذه الصناعة. لذلك يتوخى بوني الحذر في هذه السوق، نظرا للعداء الواضح الذي أظهره الحزب الشيوعي الحاكم لشركات التكنولوجيا. لكن تطبيق "وي تشات" الفائق الشهرة، بما في ذلك "وي تشات باي"، هو بالفعل نسخة ثنائية الأبعاد لما يمكن أن تصبح عليه الميتافيرس ثلاثية الأبعاد.
وراء طموحات هذه الشركات المستقبلية تحطّ بعض التجارب المشتركة. أولاً، يبدو أن عهد شبكة الإنترنت الجوالة وصل إلى نهايته. ففي اميركا وأوروبا، يهدد السياسيون بفرض قواعد أكثر صرامة ضد الاحتكارات وانتهاكات الخصوصية، لا سيما ضد "فيسبوك" و"غوغل".
وتواجه صناعة التكنولوجيا في الصين أزمة بسبب الهجوم الذي تتعرض له من الحكومة. وقد دفعت الكثير من العوامل رواد صناعة التكنولوجيا من الجيل الأول في أميركا والصين للنأي بأنفسهم عن هذا القطاع. أما الشركات التي تمكنت من الصمود والمقاومة، فهي تحتاج لابتكار منتجات تمكنها من فرض وجودها وهيمنتها.
ووفقًا لما جاء في المجلة، أن شركة آبل تمثّل مصدر قلق خاص بالنسبة لمارك زوكربيرغ وتيم سويني؛ إذ يستخدم صانع هواتف آيفون إعدادات الخصوصية في نظام التشغيل "آي أو إس"(iOS) للتحكّم في مدى قدرة "فايسبوك" على بيع الإعلانات الرقمية. ومن جهتها، تخوض شركة إيبك غيمز معركة على الاحتكار ضد شركة آبل بشأن الرسوم التي يفرضها متجر التطبيقات على مطوري الألعاب، لكن جهودها لم تتكلل بالنجاح. وهذا هو السبب في تعهد كليهما بوضع نظام تشغيل مشترك بالإضافة إلى معايير مشتركة أخرى حتى يكونا مهندسي أنظمة تشغيل المستقبل.
لكن المنافسة لت تظل حكرا على هذه الشركات لفترة طويلة. ولا شك أن شركات الاتصالات تريد نصيبها أيضا من هذه السوق بعد أن استثمرت بكثافة في شبكة الجيل الخامس التي تتسم بسرعة فائقة وفترة انتظار قصيرة.
وبحسب ما ورد في المجلة فإن المنصات سريعة النمو مثل "روبلوكس" تقدم نموذج ألعاب خاص بها يجذب 200 مليون مستخدم شهريًا، وقد استحوذت بالفعل على إعجاب الشباب. لكن الكثير من الجهات التي لا تروق لهم هذه الصناعة هم من مؤيدي تطوير المزيد من التقنيات الموزعة المعروفة باسم الجيل الثالث من الويب، والذين يجادلون بأن منصات تكنولوجيا البلوكتشين والعملات المشفرة من الصناعات التي تمثل المستقبل. ولكن المحلل المتخصص في التكنولوجيا بن طومسون يؤكد أن استخدام هذه التقنيات سيزداد في عالم الميتافيرس.
تتعدّد المجالات التي يمكن لهذه الشركات التكنولوجية العملاقة التنافس عليها. في هذا السياق، أكد طومسون ان إيلون ماسك يريد الذهاب إلى القمر في حين يطمح مارك زوكربيرغ إلى إنشاء أقمار جديدة في الفضاء الرقمي". ومثلما يشهد عالم الفضاء سباقًا محمومًا بين شركات التكنولوجيا العملاقة، تشهد الميتافيرس منافسة على حدّ السواء . ربما تعهّد زوكربيرغ وهوانغ وسويني وما وغيرهم بجعل مستقبل الإنترنت أكثر انفتاحًا وتأثيرًا وإشراكًا مما هو عليه اليوم، لكن كل واحد منهم يطمح لتحقيق هذا الهدف أولًا حتى يتمكن من وضع قواعد تخدم مصالحه.
قد يهمك ايضا
يوتيوب وتويتر وفيسبوك وغوغل أمام التحقيق في اقتحام الكابيتول
ميِّتًا تُعْلن عن مرْكز جديد لِلْخصوصيَّة لِإعْلَام مُسْتخْدميهَا عن " مصير " بياناتهم الشَّخْصيَّة
أرسل تعليقك