القاهرة - العرب اليوم
كانت المشكلة لدى إحداهن، هي ملاحظة زيادة في كمية الشعرات العالقة بالمشط بعد تمشيط شعرها، أو زيادة في الشعرات المتناثرة على أرضية مكان الاستحمام، ثم بعد فترة لم تظل الأمور كذلك، بل بدأت تلك المرأة تلاحظ أن هناك مناطق من الرأس خالية أو مغطاة بغطاء خفيف من الشعر، ويزداد الشعور بالحسرة عند رؤية صور قديمة أخذت قبل سنوات، ثم مقارنتها بصور حديثة تظهر تساقطا واضحا لشعر الرأس.
إن تساقط شعر الرأس مشكلة شائعة جدا، وهي لا تختص بالرجال، بل النساء والأطفال عرضة كذلك للإصابة بتساقط الشعر.
وصحيح أن البعض يتقبلها كحقيقة قاسية لا بد من الإصابة بها كنتيجة طبيعية لتأثير الجينات الوراثية، ولكن الصحيح أيضا أن هناك عدة أمور صحية طارئة لا علاقة لها بالوراثة، تتسبب عند الكثيرات في تساقط غير طبيعي في شعر الرأس، مما يجعل تساقط الشعر لديهن ليس «حتما مقضيا».
ومن أفضل العبارات الطبية في شأن تساقط الشعر، هي عنوان ذاك المقال الطبي للباحثين في الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية حول تساقط شعر النساء، والذي ورد هكذا: «أفضل الأدوية لعلاج تساقط الشعر.. أن تبحث عن السبب أولا».
أسباب تساقط الشعر
وتحت عنوان جانبي «معرفة السبب.. تحدد وسيلة العلاج»، يقول باحثو الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية: «يحدث تساقط الشعر نتيجة لعدد من الأسباب، من أهمها الضغوطات والتوترات النفسية وتساقط الشعر الوراثي»، ويضيفون: «ويتسبب أيضا في هذه المشكلة وجود حالة مرضيّة صحية، مثل مرض الذئبة (lupus) أو أمراض اضطرابات الغدة الدرقية (thyroid disease) أو متلازمة نمو أكياس بالمبايض (polycystic ovary syndrome) وغيرها، كما أن ما تفعله المرأة خلال تصفيفها شعرها بالتسريحات المختلفة، وما يستخدم خلال ذلك من مواد كيميائية للصبغ أو التجعيد أو الفرد، كلها قد تؤدي إلى نشوء مشكلة تساقط الشعر في مراحل لاحقة من العمر، ومما يجب التنبه إليه أن كل سبب من أسباب تساقط الشعر يتطلب تعاملا مختلفا بغية إعادة الشعر إلى وتيرة نموه الطبيعي».
ونقطة البحث عن السبب، هي ما تؤكده «المؤسسة القومية للصحة» بالولايات المتحدة بقولها: معالجة تساقط الشعر تعتمد على معرفة السبب، وفي بعض الحالات نجد أن معالجة السبب تزيل مشكلة تساقط الشعر، وقد يتطلب الأمر تناول أدوية لإعادة النشاط لعمليات نمو الشعر، أو إجراء عمليات ترميم وإصلاح للشعر (hair restoration).
نمو وتساقط طبيعي
ووفق ما يشير إليه الباحثون في اضطرابات نمو الشعر وتساقطه في «مايوكلينك» في الولايات المتحدة، فإن غالب الناس الطبيعيين يفقدون ما بين 50 إلى 100 شعرة في كل يوم، وهذا التساقط الطبيعي لا يؤثر على المنظر العام لفروة الرأس (scalp) لدى غالب الناس الذين يتجاوز معدل عدد شعرات رؤوسهم أكثر من 100 ألف شعرة، وهناك من لديهم عدد أكبر من شعرات الرأس.
ومقابل هذا التساقط الطبيعي هناك نمو طبيعي للعدد نفسه من الشعرات خلال اليوم، والحقيقة أن الشعرة الواحدة في فروة الرأس تمر بـ3 مراحل في عمرها، هي مرحلة النمو، ومرحلة الرقاد، ومرحلة السقوط، فالشعرة تبدأ في الظهور لأول مرة خلال مرحلة «طور النمو» (growth phase)، أو ما تعرف علميا بـ«أناجين» (anagen) وتعيش الشعرة الواحدة في هذه المرحلة ما بين سنتين أو ثلاث أو أربع سنوات، باختلاف الأشخاص، وفي هذه المرحلة يزداد طول الشعرة في كل شهر نحو 1 إلى 1.5 سنتيمتر.
ثم بعد انقضاء هذه المرحلة النشطة في نمو الشعرة، تدخل الشعرة مرحلة من النوم والرقاد في جانب نشاط عملية النمو، أي مرحلة «طور الرقاد» (resting phase)، أو ما تسمى علميا بـ«تيلوجين» (telogen) وخلال هذه المرحلة يبقى طول الشعرة على ما هو عليه، وتستمر المرحلة هذه ما بين 3 أو 4 أو 5 أشهر.
وفي نهاية هذا الطور، تسقط الشعرة تلقائيا أو بفعل عوامل الشدّ خلال تدليك الشعر في أثناء الغسيل أو تمشيط الشعر، ولذا ما نراه عالقا بالمشط أو الفرشاة أو في أرضية بلاط مكان الاستحمام هو تلك الشعرات التي انتهى عمرها الافتراضي الطبيعي.
ثم في نفس مكان الشعرة، تبدأ شعرة جديدة في النمو، لتمر بالمراحل الثلاث المتقدمة الذكر، بمعنى أنه ما أن تسقط شعرة، حتى تبدأ أخرى في النمو مكانها، وبالتالي تحافظ فروة الرأس على شكلها الطبيعي في عدد الشعرات.
ومع هذا فإن من الطبيعي أيضا أن يحصل نوع من التساقط الطبيعي ضمن عمليات التقدم في العمر وبلوغ مراحل الشيخوخة، لكن التساقط بالشكل الواضح وغير الطبيعي، والذي يؤدي إما إلى خفة الغطاء الشعري لفروة الرأس بشكل عام، وإما إلى ظهور أماكن واضحة يزول منها الغطاء الشعري، يعني أن وتيرة عمليات التساقط (rate of shedding) تكون أكثر من وتيرة عمليات عودة النمو الطبيعي للشعر الجديد (rate of regrowth)، وهذا مؤشر غير صحي.
وتعرض الأكاديمية الأميركية لأطباء الأسرة لائحة بأسباب تساقط الشعر عموما لدى الرجال أو النساء أو الأطفال أو المراهقين، وهي تشمل:
الضغوط النفسية
من أسباب تساقط الشعر، معايشة توترات الضغط النفسي من أي مصدر، وأيا كان مبعثها، وكذلك الحال عند التعرض لحالات صحية صعبة، خصوصا الخضوع لعمليات جراحية كبيرة، ويقول الباحثون من الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية: «يفقد النساء كمية واضحة من شعر فروة الرأس بعد المرور بحالات من التوتر والضغوطات النفسية، مثل الحمل والولادة، والإصابة بأحد الأمراض الطارئة أو الخضوع لأحد العمليات الجراحية أو وفاة شخص عزيز، وكذلك التعرض للخلافات الأسرية، والمشكلات الزوجية، وتوترات العمل الوظيفي، وغيرها من العوامل التي تتأثر بها المرأة أكثر من الرجل».
ويعللون تأثير هذا السبب بأن التوتر يجبر الكثير من شعرات فروة الرأس على الدخول في مرحلة «طور الرقاد» وتوقف نشاط نمو الشعر، وهذا التأثير السلبي لا يؤدي فقط إلى توقف الزيادة في طول الشعر، بل يقرب من أجل تساقط الشعر، وبالتالي فإن تأثيرات المرور بالمراحل الشديدة من التوتر تظهر بعد فترة من الوقت (بضعة أشهر)، وتتطلب مزيدا من الوقت أيضا كي يعود الشعر إلى سابق نموه ووفرته في فروة الرأس، ويضيف الباحثون القول إن الجيد في الأمر أن سقوط الشعر بسبب التوتر لا يحتاج عادة إلى علاج، بل يعود الشعر إلى سابق حاله الطبيعي بزوال الأسباب.
وهناك أيضا حالات النتف اللاإرادي للشعر، وهو أحد مظاهر الاضطرابات النفسية غير المفهومة طبيا حتى اليوم بشكل واف، وفي كثير من الأحيان يقوم بعض الأشخاص بنتف مناطق معينة من فروة الرأس، بشكل متكرر، ليصل بها إلى حد زوال أو قلة غلافها الشعري، وتسمى هذه الحالة طبيا بـ«اضطراب قلع الشعر» (hair-pulling disorder) أو «ترايكوتيلومانيا» (Trichotillomania).
اضطرابات الهرمونات
التغيرات التي تطرأ على نسب هرمونات مختلفة في الجسم، تسبب مشكلات مؤقتة في نمو الشعر وتساقطه، مثل ما يحصل خلال مراحل الحمل والولادة والرضاعة، أو بعد تناول أدوية منع الحمل الهرمونية أو حتى بعد التوقف عن تناولها لفترات طويلة، أو خلال مرحلة بلوغ سن اليأس، أو اضطرابات أمراض الغدد الأخرى بالجسم، كالتي في الدماغ أو البطن أو الحوض، خصوصا الاضطرابات التي تزداد فيها نسبة هرمون تستوستيرون الذكوري (testosterone)، ويقول الباحثون في «مايوكلينك»، من الطبيعي خلال فترة الحمل أن يزداد سمك الشعر وغزارته بالجسم، وأيضا من الشائع أن يزداد تساقط الشعر خلال الأشهر الثلاثة التي تلي مرحلة الولادة، كما قد يحصل تساقط الشعر نتيجة لأمراض اضطرابات الغدة الدرقية، خصوصا كسل الغدة الدرقية، وهنا يتأخر تساقط الشعر نحو 3 أشهر، من بعد بدء حصول كسل الغدة الدرقية، وبمعالجة هذا الكسل تتأخر عودة نمو الشعر بشكل طبيعي إلى فترة مشابهة، وبشكل عام فإن معالجة الاضطرابات الهرمونية وتعديل نسبة الهرمونات بالجسم، يعيد في معظم الأحوال الحيوية والنشاط إلى عمليات نمو شعر فروة الرأس.
الأدوية العلاجية والفروة
تناول مجموعات مختلفة من الأدوية، والتي من آثارها الجانبية تساقط الشعر، خصوصا شعر الرأس مثل الأدوية المسيلة للدم (blood thinners)، أو الأدوية المضادة للاكتئاب (antidepressants)، أو بعض أنواع الأدوية المنومة، أو أدوية منع الحمل الهرمونية، أو بعض أنواع أدوية معالجة أمراض القلب والشرايين أو ارتفاع ضغط الدم، أو أدوية معالجة داء النقرس (gout) أو بعض الفيتامينات الدوائية مثل فيتامين (A)، أو أدوية معالجة السرطان الكيميائية (chemotherapy)، أو علاج السرطان بالأشعة (radiation therapy)، وغيرها مما يسأل الأطباء عنه مباشرة، وكذلك وجود أمراض مزمنة تؤثر على الجلد، مثل مرض السكري أو مرض الذئبة الحمراء أو غيرها.
سوء التغذية
* سوء التغذية أو موضات حميات إنقاص الوزن، أو عمليات تحزيم وتقليص المعدة تؤثر على الشعر، ونمو الشعر بشكل طبيعي يحتاج إلى تناول كميات كافية من البروتينات، ذات نوعية تحتوي على أنواع الأحماض الأمينية الأساسية كافة، كما يحتاج الشعر إلى عنصر الحديد، ومجموعات أخرى من المعادن والفيتامينات، أسوة بأي أنسجة بالجسم ذات طبيعة «النمو المستمر والمتواصل»، ولذا فإن سوء التغذية، لأسباب تتعلق بعدم توافر أنواع المنتجات الغذائية الصحية، أو نتيجة لسوء انتقاء المنتجات الغذائية التي يتناولها الشخص، أو لوجود اضطرابات مرضية تحول دون تناول الطعام الكافي، أو عدم إتمام هضم الطعام بطريقة صحيحة أو بطريقة تمنع امتصاص الأمعاء للعناصر الغذائية التي يتناولها المرء، ويشير الباحثون من «مايوكلينك» إلى أن «موضات الحمية الغذائية» غير الصحية، التي لا تعطي الإنسان فرصة لتناول تشكيلة واسعة من أنواع الأطعمة، تتسبب في نشوء مشكلة تساقط الشعر.
العناية الخشنة بالشعر
ومن أهم مظاهر ذلك هو المعالجات التجميلية للشعر، وهي تلعب دورا مهما ومؤثرا في تساقط الشعر، فتلك المواد الكيميائية أو التأثيرات الفيزيائية للوسائل المستخدمة في تصفيف الشعر وتجميله وصناعة التسريحات المختلفة، بخلاف العناية الرفيقة بالشعر واستخدام الأشياء الطبيعية لذلك، مثل اللجوء إلى أنواع الصبغات الكيميائية، بدلا من الحناء أو غيرها من المواد المستخدمة للصباغة الطبيعية للشعر، ومثل المواد الكيميائية أو الوسائل الفيزيائية المستخدمة لإزالة تجاعيد الشعر وجعله ناعما مستقيما، بدلا من استخدام الزيوت النباتية الطبيعية، وكذلك الإفراط في تكرار تمشيط الشعر بأنواع من الأمشاط والفرشاة المصنوعة من مواد صناعية غير طبيعية، أو تعريضه لمجففات الشعر ذات الهواء الحار، وكثير من النساء يلاحظن فرقا في استخدام الأمشاط المصنوعة من الأخشاب الطبيعية أو من الأجزاء الحيوانية الطبيعية، كالعاج أو غطاء جسم السلحفاة أو غيرها.
ولأسباب مختلفة، قد تحدث الإصابة بالالتهابات الفطرية في فروة الرأس (fungal infection)، ما يؤدي إلى تساقط الشعر في مناطق من فروة الرأس، وتستوجب هذه الحالات معاينة الطبيب وفحصه، وربما أخذ عينات من الشعر إلى المختبر لتحليلها ومعرفة ما إذا كانت ثمة فطريات تتطلب المعالجة.
مراجعة طبيب الجلدية
فحوصات وتحاليل لتساقط الشعر ينصح الأطباء في «مايوكلينك» بمراجعة طبيب الجلدية للشكوى من تساقط الشعر، حينما تلاحظ المرأة حصول تساقط مفاجئ للشعر، أو حصول تساقط للشعر في أماكن دون أخرى من فروة الرأس، أو حينما تلاحظ زيادة غير معتادة في كمية الشعر العالقة بالمشط أو الفرشاة بعد تمشيط الشعر أو المتناثرة على أرضية بلاط مكان الاستحمام.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد حتى اليوم علاج دوائي يشفي من السقوط النهائي للشعر بفعل تأثيرات الجينات الوراثية، فإن من الضروري مراجعة الطبيب لمعرفة وتمييز سبب تساقط الشعر، خصوصا أن هناك عدة أسباب أخرى قابلة للمعالجة، ويمكن من خلالها إعادة النشاط لنمو الشعر، كما أن هناك عدة أدوية ذات نتائج مشجعة في إبطاء وتيرة تساقط الشعر الذي يحدث تحت تأثير الجينات الوراثية.
ويلخص الباحثون في الأكاديمية الأميركية لطب الجلدية، الخطوط العامة لخطوات محاولات طبيب الجلدية معرفة أسباب تساقط الشعر، وذلك في 3 مراحل تتعلق بأخذ معلومات كافية من الشخص عن حالته الصحية، ونوعية ومكونات الأطعمة التي يتناولها، والأمراض التي يمكن أن تكون لديه، والأدوية التي يتناولها بشكل منتظم أو متقطع، إضافة إلى معلومات أخرى تتعلق بالدورة الشهرية، وحالات الحمل السابق أو الحالي، وغيرها من الجوانب.
كما يستفسر الطبيب عن أي معالجات سابقة لحالة تساقط الشعر، سواء تلك التي تتم بإشراف طبي، أو مما يمكن الحصول عليه من الصيدليات، أو أماكن بيع المستحضرات التجميلية للعناية بالشعر، كالشامبوهات أو الزيوت التي تضاف إلى الشعر أو أمشاط الليزر أو غيرها.
ويقوم الطبيب بفحص فروة الرأس بعناية، في الأماكن التي بها تساقط والأماكن الطبيعية، إضافة إلى توزيع الشعر في بقية الجسم، كما يفحص الطبيب مدى وجود أعراض وعلامات أحد الأمراض التي تتسبب في تساقط الشعر، مثل فقر الدم أو اضطرابات الهرمونات أو غيرها.
وبحسب الحاجة الطبية، تكون الفحوصات إما لعينة من الشعر أو قطعة صغيرة جدا من جلد الرأس، أو لتحاليل للدم وتحاليل للكشف عن أي مرض.
وللوقاية من تساقط الشعر بشكل عام، ينصح الأطباء في «مايوكلينك» بالحرص على التغذية الجيدة التي تقدم للجسم العناصر الغذائية المهمة لنمو الشعر، كالبروتينات والمعادن والأملاح والفيتامينات وغيرها، كما ينبهون إلى ضرورة العناية برفق بالشعر، خصوصا تركه ليجف بعد الاستحمام بطريقة طبيعية، ودونما تعريضه لحرارة هواء مجفف الشعر (الاستشوار)، وتحاشي إجراء تسريحات الشعر المنهكة لخصلات شعر فروة الرأس، وتحديدا كما يقول باحثو «مايوكلينك» مثل الجدائل (braids) الرفيعة والطويلة، أو تكوير الشعر على هيئة الكعكة (buns)، أو على هيئة ذيل الحصان (ponytails).
أرسل تعليقك