أكد الداعية الإسلامي، الدكتور عمرو خالد، أن كل الأمم والشعوب تبحث في تاريخها عن الأبطال من أجل القدوة، وجيل الصحابة كانوا ولا يزالون يمثلون القدوة لنا، مدللًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، وأضاف في الحلقة الثامنة عشر من برنامجه الرمضاني "السيرة حياة"، أن "النبي كان معنيًا في الأساس بالإنسان قبل أي شيء، فرسالته إلى البشرية رحمة، الهدف منها: "بناء الإنسان"، وهذا ما يتضح في رد فعله على مقتل أحد سفرائه، وهو الحارث بن عمير، الذي حمله رسالة إلى أمير الغساسنة، فقتله وقطع رأسه".
وتابع خالد "عندما وصل الخبر للنبي ليل يوم الخميس،فنادى: الصلاة جامعة، وكانت صلاة العشاء بالمسجد، فخطب فيهم، قائلًا: قُتل أخوكم الحارث بن عمير الأسدي من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليتجهز غدًا بعد صلاة الفجر لقتال الغساسنة"، وفسر رد الفعل السريع من النبي بأنه "يكره الخيانة والغدر كراهية شديدة، وهو ما جعله يطرد بني قريظة من المدينة، ويتأهب لقتال قريش عندما أرسل عثمان بن عفان إليهم في صلح الحديبية، بعد أن احتجزوه لبضعة أيام، وترددت أنباء عن قتله".
وأضاف خالد "لم يتأخر رد فعله في كل الأحوال، لأنهم يهتم بقيمة الإنسان، فالإنسان الذي يشعر أن وطنه يقدره ويشعر بقيمته لديه، يزيد انتماؤه وعطاؤه، والنبي كان يعتني جدًا بقيمة الانتماء للوطن والمواطنة"، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن "دولة الغساسنة في الأردن،كانت قوة كبيرة لا يستهان بها، لا يكفي في مواجهتها هذا العدد القليل من المقاتلين "3 آلاف مقاتل"، لكنه قرر التحرك من أجل سفيره الذي قتل غدرًا".
وذكر خالد أنه لما قال يهودي يدعى "فنحص" لزيد بن حارثة "يا زيد اذهب فودع امرأتك، وقبل أولادك فلن تراهم بعد اليوم، فإنك إن رأيتهم بعد اليوم فإن نبيك كذاب، فيقول: إنه رسول الله ولا أعود ولا أودع ولا أوصي وأتوكل على ربي، إيمان عميق، وحس توكل على الله،وثقة كبيرة في القضاء والقدر"، واستطرد في روايته، قائلًا "يخرج الجيش وتنطلق النساء لوداعه: "حفظكم الله.. نصركم الله.. أيدكم الله.. ردكم الله صالحين"، أما عبدالله بن رواحة فيقول "أما أنا فلا ردني الله، لكني أسأل الرحمن مغفرة، حتى يقولوا إذا مروا على قبري أرشده الله من غاز وقد رشد".
وأوضح خالد أنه "لما علم الغساسنة بقدوم جيش المسلمين أعدوا جيشًا يتألف من 100 ألف مقاتل، وعلى الرغم من الفارق العددي الكبير لصالحهم، لكن قلوبهم كانت مملوءة بالرعب، فأرسلوا إلى ملك الروم ليرسل لهم مددًا، فأرسل إليهم 100 ألف أخرى"، وقال"زيد بن حارثة جمع الجيش، وطرح حلًا من ثلاث: الأول: نعود إلى المدينة، ونقول لرسول الله، إن عددهم أكبر منا بكثير، لكنهم رفضوا بالإجماع، والحل الثاني: أن نبعث لرسول الله، ونقول له: ابعث لنا مددًا يا رسول الله، لكن ليس هناك مدد آخر هذا هو أقصى ما نملك. أما الحل الثالث: نواجه، وهذا كان قرارهم بالإجماع، لكن كيف يكون ذلك؟".
ووصف خالد، خطة زيد بن حارثة بأنها "خطة إبداعية،فقد قال: لو دخلنا عليهم في وسط الصحراء سيهزموننا في دقائق، فبحثوا عن قرية صغيرة يتحصنون بداخلها، بحيث يكون على يمينهم ويسارهم زرع وشجر، وفي ظهرهم بيوت، فلا يستطيعون أن يواجهونا إلا من الأمام"، وتابع "نفذوا الخطة بالفعل، ودخلوا قرية "مؤتة"،فلما أتى جيش الروم والغساسنة وجدوهم متحصنين فيها. وكان جيشهم200 ألف،فاضطروا لإعادة ترتيب الجيش على النحو الذي أراده المسلمون في صفوف متعاقبة بواجهة صغيرة، وبهذا عطل زيد جيش الرومان فأصبح ثلاثة آلاف في مواجهة ثلاثة آلاف. لكنهم كانوا يبدلون المقدمة بينما الجيش الإسلامي ثابت.
وذكر الداعية أن "المعركة دارت رحاها لـ 6 أيام، والغلبة فيها للمسلمين والقتلى من الرومان أكتر من القتلى من المسلمين،فقد استشهد منهم 12، ومات من الآخرين 96"، وأشار إلى أن "النبي كان في المدينة، لكنه كان يرى ما يجري بعلم الله، فيحكى تفاصيل الغزوة لأصحابه، يقول "إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم"، ويقول: أخذ الراية زيد بن حارثة، أراه يقاتل، قتلوه شهيدًا، أراه الآن في الجنة، ويتسلم الراية جعفر بن أبي طالب، فتتركز السهام والحراب عليه فعقر فرسه ونزل يقاتل على ساقيه في شجاعة نادرة، فجاء رجل من الرومان فضربه بسيفه، فقطعت يده اليمنى وسقطت الراية، فلم يلتفت ليده والتفت للراية قبل أن تسقط، فأخذها بيسراه، وجاء رجل آخر من الرومان فضربه بسيفه، فقطعت يده اليسرى، وحين وجد الراية تسقط أخذها بين عضديه واحتضنها،وجاء رجل فضربه بسيفه في بطنه فسقط شهيدًا، يقول النبي: وأراه الآن في الجنة يطير بجناحين من ياقوت أبدله الله بذراعين من ياقوت، أراه الآن يسرح في الجنة حيث يشاء يشرب من أنهارها ويأكل من ثمارها".
واستطرد في روايته خالد قائلًا "يقولون (قاصدًا الصحابة): فنظرنا إلى عيني النبي فإذا هي تزرفان بالدموع حتى ابتلت لحيته، فهو ابن عمه ويحبه، تساقطت دموعه بتلقائية بدون جمود ولا تكلف. لما سقطت الراية من جعفر، حملها عبدالله بن رواحة، يقول النبي: فأخذ الراية عبدالله بن رواحه فتلكأ هنيها،ثم شجع نفسه، أتى له ابن عمه بفخذ مشوية وقاله له: تقو يا ابن رواحه فنظر إليها وأخذ منها،ثم قال: ما هذا يا ابن رواحة أمازلت في الدنيا؟ والله ما ينبغي لك إلا أن تكون مع صاحبيك، النبي يقول: أخذ الراية بن رواحه أراه يقاتل في سبيل الله قتلوه، أراه الآن في الجنة".
وأشار خالد إلى أن هذه القصة يستخدمها المتطرفون في الإقبال على الموت، لكنه كان يفعل ذلك من أجل الدفاع عن وطنه"، ولفت إلى ما لاقاه الصحابة الثلاث من جزاء على قتالهم بكل شجاعة واستبسال: "يقول النبي: أرى زيد بن حارثة على سرير من ذهب في الجنة، وأرى بجواره جعفر بن أبى طالب على سرير من ذهب في الجنة، وأرى بجوارهما عبدالله بن رواحه على سرير من ذهب في الجنة، غير أن لسريره ازورارًا عن سريري صاحبيه، فقالوا لما يا رسول الله؟ فقال تلكأ هنيهة" .
وقال إن "خالد بن الوليد عمل على رفع الروح المعنوية في جيش المسلمين، وأعد خظة ظن معها الروم أن هناك جيشًا جديدًا،وأن الجيش القديم يستريح".
وأضاف خالد "في صباح اليوم التالي أرسل جيش الروم إلى مالك بن رفلة يخبرونه بأن جيشًا جديدًا للمسلمين في أرض المعركة، وأن الجيش القديم يستريح،واستمر الانسحاب والروم يتابعونهم، فقال القادة الروم لجنودهم: لاتتبعونهم لأنهم يجرونكم إلى كمين، فبقي الروم في أماكنهم،واقترب خالد من العودة بجيشه،بينما الروم ينتظرون الكمين"، وأوضح أنه لما دخل خالد المدينة، خرجت النساء لاستقبال الجيش بالطوب والحجارة، وكن يهتفن يا فرار يا فرار، ظنًا منهن أن الجيش فر من أرضا لمعركة: أررتم في سبيل الله؟". فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم ويفتح يديه للجيش،ويقول:لا..لا .. ليسوا فرارًا،بل هم الكرار إن شاء الله،ثم ينظر إلى خالد بن الوليد ويقول: يا خالد أنت سيف من سيوف الله.
ونوه الداعية بأن "النبي دخل بيت جعفر بن أبي طالب وحضن أولاده، وبكى ابنه الكبير عبدالله، فقال له: لا تبك يا بني، فإن أباك الآن يطير مع الملائكة في السماء، فكان كلما رآه الصحابة أولاد جعفر يقولون: مرحبًا بابن ذي الجناحين، ثم خرج النبي بالأولاد الثلاثة إلى المسلمين، وقال: من يكفل أولاد جعفر؟ فرأى ثلاثة يرفعون أيديهم كل يقول: أنا يا رسول الله، أنا يا رسول الله، يقول الراوي: والثلاثة أفقر من بعضهم البعض".
أرسل تعليقك