شهد المغرب مؤخرا فيضانات كانت الأسوأ منذ عقود، إذ حصدت عشرات الأرواح ودمرت قرى بكاملها، لتفتح الجدل من جديد حول هشاشة البنية التحتية وقدرة البلاد على التعامل مع الكوارث الطبيعية. والسؤال هو أين الحكومة من كل ما جرى؟
أيام قليلة من الأمطار كانت كافية لتجعل قرى مغربية تختفي وتتحول إلى برك كبيرة من الماء والطين. كما حصدت الأنهار والوديان أرواح العشرات من المواطنين في الجنوب المغربي الذي يعيش منذ أسبوعين على وقع الفيضانات التي اجتاحته وحولت الطرق والقناطر والمباني إلى حطام، وجعلت الكثير من الأسر معزولة عن العالم يحاصرها الماء من كل الجهات. فيما تقف السلطات عاجزة عن الوصول إليهم نظرا لصعوبة تضاريس تلك المنطقة.
فيضانات خلفت حالة من الغضب في أوساط المواطنين الذين لم يستوعبوا كيف أن أياما قليلة من المطر كانت قادرة على تحطيم قناطر وطرق جديدة لم يمر على إنشائها أكثر من ثلاثة أشهر. من جهة أخرى تساءل آخرون عن السبب الذي جعل الدولة تسمح للمواطنين بتشييد منازلهم في مجرى الأنهار التي جفت، لكن ما إن هطلت الأمطار بقوة حتى جرفت الأخضر واليابس.
من المسؤول؟ الحكومة تبرئ نفسها
من المسؤول؟ سؤال ظل المغاربة يطرحونه طيلة الأيام الماضية دون أن يجدوا له جوابا خصوصا بعد تنصل الحكومة من المسؤولية، حيث أكد وزير التجهيز والنقل عزيز الرباح أن "الخسائر الفادحة للفياضات لا يد للحكومة فيها".
بعد الخسائر الكارثية للفياضات التي عرفتها المناطق الجنوبية في المغرب، وجدت الحكومة نفسها في مواجهة غضب المواطنين والجمعيات المدنية وحتى أحزاب المعارضة. وبلغ الغضب أوجه حين أودت هذه الفياضات بحياة أكثر من 41 مواطنا مغربيا، وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى محاولة الدفاع عن نفسها في شخص وزيرها في النقل عزيز الرباح الذي أكد على أن "الحكومة غير مسؤولة عن نتائج الفياضانات".
وأضاف الوزير أنه مستعد "لاتخاذ الإجراءات القانونية في حق من كل من ثبت أنه أخل بمسؤوليته". وتحدى الرباح المعارضة بأنها إن أرادت أن تفتح تحقيقا حول مسؤولية الحكومة فيما حدث "فنحن مستعدون لذلك". ونفى المسؤول أن تكون أي قنطرة جديدة قد سقطت خلال الفيضانات قائلا: "علينا عدم إهانة الأطر المغربية التي أشرفت على بناء هذه القناطر"، قبل أن يكشف بأن المياه قد غمرت 505 قنطرة كما أن ألف قنطرة في المغرب تحتاج إلى إعادة الهيكلة.
قصص إنسانية مأساوية
خلفت الفيضانات التي شهدها الجنوب المغربي وخصوصا مدينة كلميم قصصا إنسانية يختلط فيها المأساوي بالغرابة. ومن بين هذه القصص تلك التي عاشها عباد إيبوك هذا الرجل الأربعيني الذي قضى ثلاث ساعات وهو يصارع مياه نهر "تلمعدرت" من أجل النجاة. "كنت في سيارة أجرة كبيرة رفقة ستة أشخاص آخرين وفجأة وجدنا المياه تغمرنا من كل جانب"، يقول عباد والصدمة مازالت بادية على محياه.
وقبل أن يستطرد بأن رجال الوقاية المدنية ألقوا بحبال النجاة لركاب السيارة لكن قوة تيار النهر قطعت جميع الحبال، ولم يجد عباد سوى علامة حديدية لم ينجح النهر في اقتلاعها من مكانها، "هذه العلامة الحديدية كانت طوق النجاة بالنسبة لي حيث بقيت متشبثا بها لثلاث ساعات ونهر يزداد قوة وهيجانا". هنا يتوقف عباد ليرينا ندوبا على رأسه أحدثتها الحجارة التي كان يجرها الوادي "لكن هذه الجروح أهون من الموت غرقا"، يقول عباد فيما اغرورقت عيناه بالدموع.
وإذا كان عباد من المحظوظين لأنه تمكن من النجاة، فإن فاظمة التي نجت من الفياضانات لكنها قاست ألم موت والدها في الفياضانات. وتروي فاظمة كيف أنها استطاعت الفرار من البيت الذي غمرته الأمطار رفقة إخواتها. بيد أن والدها حاصرته مياه النهر هو رفاقه في السيارة ولم يستطيعوا مواجهة الزحف القوي للنهر المحمل بالحجارة والأشجار.
"اتصل بي والدي يخبرني أن المياه حاصرته رفقة ثلاثة من أصدقائه وبأنهم فوق سطح السيارة الغارقة في الماء"، تقول فاظمة، ثم تتوقف هنيهة لتلتقط أنفاسها وكأن تذكر تلك اللحظات عمل شاق. "انقطع الاتصال مع والدي وأصبحنا في حال يرثى لها لأننا لا نعرف هل هو حي أم ميت"، هكذا تروي فاظمة. بيد أن لحظات الانتظار الصعب هذه كانت أهون من الاتصال الأخير الذي تلقته فاظمة من والدها: "ابنتي المياه تحاصرنا ولم نجد طريقة للخروج أوصيك بأخواتك خيرا". تردد فاظمة رسالة والدها الأخيرة وتنخرط في نوبة بكاء حارق.
لعل الفياضات الأخيرة كرست الفكرة السائدة لدى البعض بأن هناك "مغربا نافعا" وفيه تتمركز جميع الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية وهو المحور الذي نطلق من مدينة طنجة إلى الدار البيضاء و"مغربا غير نافع" يعاني نقصا كبيرا في البنية التحتية وفي المرافق العمومية ويضم المناطق الجنوبية والجبال.
وفي هذا السياق يقول النعم ميارة النائب عن حزب الاستقلال المعارض "طريقة إنقاذ الضحايا كانت بدائية؛ فكيف يعقل أن يتم رمي جثث الضحايا في شاحنة للأزبال لنقلها"، يتساءل البرلماني المغربي، مضيفا بأن المغرب "لا يتوفر على أية إستراتيجية وطنية للتعامل مع الكوارث الطبيعية".
ودعا المتحدث نفسه الحكومة إلى ضرورة التوفر على خطة استباقية للتعامل مع هذه الحوادث "لأن الكوارث الطبيعية ومن بينها الفيضانات لا تخبر عن تاريخ وقوعها"، كما دعا الحكومة المغربية أن تعلن الحداد الوطني على أرواح الضحايا الذين وصل عددهم لأكثر من 41 قتيلا.
أرسل تعليقك