جاكرتا (اندونيسيا) - العرب اليوم
منذ عام 2006 يقذف بركان "لوسي" في اندونيسيا الوحل والطين، ما أدى إلى اندثار الكثير من القرى وإجبار أكثر من 30 ألف شخص على مغادرة مساكنهم. ويرجع السبب في ذلك إلى الزلازل التي تصيب المنطقة وأعمال التنقيب عن الغاز أيضا.
- السيد لوهر، ما هي البراكين الطينية؟
- بيرغر غوتفريد لوهر: البراكين الطينية تشبه البراكين العادية، إذ تتألف من الفوهة والمدخنة ويخرج منها تدفقات طينية عوضا عن المواد المنصهرة. وهذه التدفقات الطينية مصحوبة بغازات كغاز ثاني أكسيد الكربون أو الميثان.
- ما هي الأماكن التي تكثر فيها البراكين الطينية في العالم؟
تحدث البراكين الطينية في الأماكن التي تكون فيها طبقة الأحواض الرسوبية عميقة، فالوديان التي امتلأت على مر ملايين السنين بالرمال والمواد غير الصلبة، تشكلت بداخلها غازات في الوقت ذاته أيضا. وتحتوي هذه الأحواض الرسوبية على تجاويف هائلة، ما يجعلها مثار اهتمام شركات التنقيب عن النفط والغاز. وأكثر دولة في العالم تكثر فيها البراكين الطينية هي أذربيجان.
- من أين تأتي الغازات؟
تأتي الغازات من الأرض. تطلق الأرض الغاز باستمرار وخاصة عبر البراكين وعبر التربة أيضا. ومعظم هذه الغازات بخار ماء إضافة إلى كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وتتولى البكتيريا تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى غاز الميثان الثمين على عمق ثلاثة إلى أربعة كيلومترات في باطن الأرض. ومن الممكن حرق الميثان لتوليد الحرارة والكهرباء.
- وممّ يتكون الطين؟
علينا تخيل الطين كالفخار، إذ يتألف من حبيبات صغيرة جدا من الرمل تعيق تسرب الماء بسبب نعومته. لكن وبما أنه لا يسمح بالتسرب، فإنه يساعد على الاحتفاظ بالغاز جيدا. وفي حال حدوث ضغط زائد لسبب ما، يؤدي ذلك إلى حدوث انفجار ويخرج الطين بقوة. وهو مظهر مثير، حين تنشأ فقاعات طينية قطرها متر واحد.
بركان الطين لوسي في أندونيسيا يقذف الطين باستمرار منذ عام 2006 ، ما سبب ذلك؟
يقع بركان لوسي في منطقة البراكين الطينية التي تنفجر بانتظام منذ آلاف السنين. ويوجد هناك العديد من القرى الاندونيسية. وفي عام 2006 بدأت شركة بأعمال حفر للتنقيب عن الغاز، إذ يوجد مخزون هائل من الغاز هناك، ما أدى إلى انفجار بركان طيني على بعد 200 متر من أحد مواقع الحفر، ليزداد حجمه باستمرار وليطلق أكثر من 1500 متر مكعب من الطين يوميا، وهي كميات كبيرة جدا. وفي البداية تم إرجاع سبب الانفجار إلى أعمال التنقيب عن الغاز.
لكن هناك نظرية أخرى.
فقبل يومين من انفجار البراكين الطينية، حدث زلزال على بعد 250 كيلومترا من العاصمة جاكرتا، وبلغت قوة الزلزال حوالي 6.3 درجة على مقياس ريختر، ووقع هذه الزلزال على عمق 15 كيلومترا ويسمى بزلزال تكتوني، وهو زلزال مدمر، إذ ذهب ضحيته أكثر من 5700 شخص. وأدى إلى وقوع زلزالين في المنطقة وهما زلزال ميرابي وسومطرة واندلاع حمم بركانية أكثر من المعتاد بثلاثة أضعاف.
ويعود سبب ذلك إلى موجة الزلازل المتحركة، إذ تزيد هذه الزلازل من فقاعات الغاز في الرواسب. وهذا ما يزيد الضغط في المسام ويُضعف بذلك من قدرة المادة الصلبة على مقاومة قصها وتفتيتها. وفي البراكين الطينية تتحول هذه المواد إلى سائل وتتجه نحو الأعلى بحثا عن مخرج لها. وفي انفجار لوسي لم تخرج هذه المواد في مناطق التنقيب عن النفط بل على بعد 200 متر، وذلك في المناطق الضعيفة في القشرة الأرضية، وتحدث هذه الانفجارات في مناطق عدة وعلى مسافة تزيد عن كيلومتر واحد.
الخبير الجيوفيزيائي بيرغر غوتفريد لوهر
هل يمكن معرفة ما إذا كانت أعمال الحفر أو الزلازل هي السبب في ذلك؟
سياسيا، إذا أقرت شركة التنقيب عن النفط مسؤوليتها عما حدث وأنها السبب في دفن 18 قرية بالوحل، فعليها دفع تعويضات للمتضررين. وإذا كانت الكوارث الطبيعية هي السبب، فهذا يعني أن على المجتمع تحمل هذه الأضرار.
وعلميا، للمؤثرات الجيولوجية دور كبير جدا. فموجات الزلازل المتحركة تساعد على زيادة الطاقة الزلزالية في المنطقة. وقد تمكن فريق من الباحثين من إثبات تأثير موجة الزلازل المتحركة على الانفجارت الطينية في لوسي.
غرقت أعداد كبيرة من القرى في لوسي تحت الطين وأجبر أكثر من 30 ألف شخص على مغادرة المنطقة. ولكن ماذا يحدث الآن؟
يعني ذلك حدوث انخفاض في هذه المنطقة. وحسب نسبة الانخفاض يمكن معرفة إلى متى يستمر حدوث ذلك. وعلى الحكومة الاندونيسية التفكير في طرق للتعامل مع السكان المحليين. وأنا لا أعلم تماما كيف يتم التعامل مع الأشخاص من الناحية الاجتماعية والسياسية. وأعتقد أنه يتم تقديم بعض المساعدات الحكومية.
أي أن الكوارث الطبيعية ليست نادرة الحدوث في اندونيسيا؟
فيما يتعلق بالكوارث الطبيعية تعد اندونيسيا بلدا مميزا. إذ غالبا ما تتعرض لموجات المد والفيضانات. وتنخفض جاكرتا بحوالي 4 إلى 6 سنتمترات سنويا. إذ تقع جاكرتا على مستوى سطح البحر وتعاني من مشاكل الفيضانات سنويا. إضافة إلى وقوع العديد من الزلازل والبراكين، إلى جانب تعرضها لأعاصير عاتية. وتشكل هذه الكوارث الطبيعية عبئا كبيرا لسكان اندونيسيا.
وهذا ما يؤكد أن الكرة الأرضية هي كوكب متحرك ويحدث فيها الكثير من التغيرات والعديد من العمليات كالنمو البطيء لجبال الألب مثلا، والذي يصعب ملاحظته خلال الرحلة العمرية القصيرة للإنسان. ويمكن ملاحظة هذه الآثار عبر انفجار البراكين أو الزلازل. ومن المهم إدراك هذه الظواهر الطبيعية ومحاولة تخفيض مخاطر التعايش معها. فالعيش في مناطق البراكين الطينية يفرض على المرء أن يتقبلها.
أرسل تعليقك