لطالما حمت أشجار المانغروف الكثيفة مدينة كراتشي المترامية الأطراف في جنوب باكستان من بحر العرب، الا ان التلوث وانظمة الري السيئة وقطع الأشجار بطريقة غير قانونية، تعرض هذا الحاجز الطبيعي للخطر.
ويخشى الخبراء من أن تضع خسارة الحاجز الطبيعي الذي تشكله غابات المانغروف المدينة التي تعد نحو 20 مليون نسمة امام خطر كبير للتعرض لعواصف عنيفة وحتى لموجات تسونامي عاتية.
وبالقرب من كراتشي، ينهي نهر السند مسيرته الطويلة من جبال الهملايا في البحر.
وتعد دلتا نهر السند موئلا لغابات المانغروف الشاسعة، وهي منظومة بيئية تنمو في المياه المالحة والعذبة.
ويستذكر طالب كاتشي وهو صياد في الخمسين من العمر، اختباءه من الرياح الموسمية في غابات المانغروف عندما كان في ريعان شبابه.
ويقول كاتشي "في اوقات العواصف، كنا نربط ما يصل الى اربع سفن باشجار المانغروف، وعندها كنا نجلس ونتبادل الاحاديث ونغني".
الا ان الوضع الحالي لاشجار المانغروف سيء للغاية بالمقارنة مع ما كانت عليه في السابق اذ ان مساحاتها تراجعت من 600 الف هكتار في مطلع القرن العشرين الى ما لا يزيد عن 130 الف هكتار متبقية حاليا بحسب الاخصائي في علم الاحياء البحرية محمد معظم خان.
فقد ذهبت مساحات كبيرة من غابات المانغروف ضحية لانشطة قطع غير قانونية وللتلوث من المصانع القريبة ولتغييرات في تدفق النهر بسبب انظمة ري سيئة في السهول الشاسعة الموجودة في ولايتي السند والبنجاب.
وقد اطلق الصيادون الذين يعتاشون من الاسماك والمحار التي تعيش في المانغروف، نداءات استغاثة بسبب تراجع انشطتهم خلال السنوات الماضية كنتيجة لتراجع مساحات اشجار المانغروف.
الا ان رحلة قصيرة بالمركب من ميناء ابراهيم حيدري للصيادين في كراتشي تظهر قيام عدد كبير من السكان المحليين بقطع اشجار غابات المانغروف ونقل اخشابها معهم.
اذ ان البعض يستعين بأوراق الشجر كعلف للماشية في حين أن آخرين يحصلون لقمة عيشهم من خلال بيع الحطب المستخدم للتدفئة.
ويقول حاجي ابراهيم وهو رجل مسن بعدما ارسى مركبه الصغير في الميناء لوكالة فرانس برس "ابيع الرزمة الواحدة بعشرة الى عشرين روبية (10 الى 20 سنتا من الدولار)".
ويعتبر قطع اشجار المانغروف مخالفا للقوانين الا ان العقوبة القصوى لقطع اشجار هذه الغابات هي دفع غرامة قدرها 36 الف روبية (360 دولارا) وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة. وفي كل الحالات فإن الملاحقات القضائية نادرة جدا.
كراتشي هي كبرى مدن باكستان والقلب النابض للاقتصاد والصناعة في البلاد. وقد ساهم النمو السريع للمصانع في زيادة مستويات التلوث في دلتا نهر السند.
وبالقرب من محطة لتوليد الطاقة في شرق المدينة، اشجار المانغروف جافة وذابلة، ما ادى الى القضاء على الاسماك في مناطق تكاثرها وتأجيج مشاعر الغضب لدى كمال شاه من منتدى باكستان للصيادين.
ويقول شاه "لا افهم حقا ما الذي قد يدفع الى التعرض للمانغروف. هذا امر اخرق -- انه اشبه بافراغكم معدة جاركم لملء معدتكم"، مضيفا "لو كنا في بلد آخر، كانت غابات المانغروف لتحظى بالتقدير والحماية".
وبالاضافة الى اضعاف قوة العواصف الاستوائية عندما تضرب السواحل، توفر اشجار المانغروف خط دفاع في حال حصول موجات مد عاتية (تسونامي).
وتلتقي الصفيحتان التكتونيتان العربية والاوراسية في منطقة خندق مكران قبالة السواحل الباكستانية، وهذا التماس بين الصفحتين من شأنه توليد هزات ارضية عنيفة.
فقد تسبب زلزال تحت البحر سنة 1945 بموجة تسونامي ضربت كراتشي واوقعت اربعة الاف قتيل، بحسب تقدير حديث للامم المتحدة حذر من ان اي زلزال عنيف في المدينة قد يؤدي الى محوها بالكامل.
وأشار الاخصائي في علم الاحياء البحرية خان الذي يعمل لحساب منظمة "الصندوق العالمي للطبيعة" غير الحكومية الى ان غابات المانغروف تمثل "نظاما بيئيا مهما جدا... انه خط الدفاع الاول ضد الاعاصير والعواصف القوية وموجات التسونامي وغيرها من الكوارث الطبيعية".
لكن يبقى بصيص امل. فقد أدت حملات تشجير لغابات المانغروف في السنوات الاخيرة الى تعويض بعض من الاشجار المقطوعة.
وقال خان ان عملية زرع الاشجار "تسير على نحو جيد جدا. ثمة مناطق قليلة في العالم يزداد فيها الغطاء الذي توفره اشجار المانغروف وباكستان واحدة منها".
أرسل تعليقك