لن يصدق من يتوجه إلى محطة وقوف سيارات الأجرة "تاكسي كبير" في عين السبع في مدينة الدار البيضاء أن أحد سائقيها كان أقوى جناح أيسر بين لاعبي المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، بل وأول من أهداه هدفًا رائعًا سجّله في شباك منتخب بلغاريا في مونديال ميكسيكو سنة 1970.
تتعلق المأساة بالنجم موهوب الغزواني، اللاعب الدولي السابق الذي صال وجال في ملاعب الساحرة المستديرة في سبعينات القرن الماضي، حاملًا القميص الوطني في أكثر من 70 مباراة دولية، سجل خلالها 25 هدفًا كانت وراء تأهل المنتخب المغربي في مناسبات عديدة، وهي إنجازات لم يعد يتذكرها هذا الجيل بعد أن فضل الرجل الانزواء منذ اعتزاله بعيدًا عن الأضواء.
التقاه موقع "المغرب اليوم" ليروي له عن حكايات معاناته مع النسيان، وكيف عصفت به الرياح بعد مغادرته عالم الساحرة المستديرة.
نشأ موهوب الغزواني من مواليد سنة 1946، وترعرع في الحي المحمدي وبالضبط في درب حي مولاي شريف في البيضاء، حيث تفتقت موهبته من خلال ملاعب الأحياء.. كان مولعًا بكرة القدم،عاشقًا للتحدي مع الفقر والظروف الصعبة التي مر بها.وامتلك مؤهلات كروية عالية في وقت لم يكن يتعدى 14 ربيعًا.و يحكي موهوب أن أصدقاءه اللاعبين اتفقوا آنذاك على الالتحاق بالفئات الصغرى لفريق الاتحاد البيضاوي "الطاس" لكرة القدم، إلا أنه أبى خوفًا من عقاب والديه الذين كانا يرفضان ذلك..
وشاء القدر أن يواصل طموحه في عالم الساحرة المستديرة بفضل تشجيعات الفنان "بوجميع" عن الفرقة الغنائية "ناس الغيوان"، والذي حثه على الالتحاق بفريق "الثبات" ضمن القسم الوطني الثالث، حيث استهل الغزواني مشواره الكروي باللعب مع فئة الصغار والفتيان، قبل أن تترصده أعين المدرب الراحل والأب الروحي لفريق "الطاس" العربي الزاولي، الذي صقل موهبته إلى أن أصبح من أعمدة فريقه وأقوى جناح أيسر بين لاعبيه.
ودفع علو كعب الرجل الموهوب، المدرب الفرنسي كليزو إلى استدعائه على عجل ليعزز صفوف منتخب الأسود، فلبى الغزواني نداء الوطن، وشارك رفقة منتخب الأسود في مونديال ميكسيكو 1970، وهناك صنع أجمل الأهداف.
وشارك موهوب الغزواني مع المنتخب المغربي في 70 مقابلة رسمية، من بينها إقصائيات الألعاب الأولمبية سنة 1968، وإقصائيات كأس العالم سنة 1970 بميكسيكو، يليها إقصائيات كأس أفريقيا سنة 1970 في السودان، وإقصائيات منافسات الألعاب الأولمبية سنة 1972، ثم إقصائيات كأس أفريقيا في إثيوبيا 1976 وغيرها.
ويحكي موهوب الغزواني أنه تلقى عرضًا من فريق مارسيل الفرنسي، إلا أن إدارة نادي الجيش الملكي رفضت العرض، فقرر مقاطعتها احتجاجًا على ذلك، وهو قرار قال إنه دفع ثمنه غاليًا بعد أن اتخذ في حقه الفريق العسكري عقوبة التجنيد الإجباري عقابا على هذا القرار.
ويقصّ الغزواني أنه بعد اعتزاله الكرة سنة 1983، اضطر إلى العمل كسائق لدى شركة "سانطراليتيير" بعد أن وجد نفسه متخلى عنه، ويتذكر اللاعب بحسرة وهو يقول " حين كنت نجمًا داخل المنتخب، اعتقدت أن الكرة المغربية ستنصفني ولن تتخلى عني.. كرست حياتي من أجلها، ومثلتها أحسن تمثيل في الملتقيات الدولية، اعتقدت أن بعد اعتزالي سأجد عملًا يناسب قيمتي وتاريخي الكروي.. إلا أني صُدمت بواقع آخر، اضطررت خلاله إلى العمل سائقًا في شركة منتوج الحليب "سانطراليتيير" لمدة 14 سنة، إلا أنني حوربت وطردت من العمل بسبب كرة القدم، فالذي اتخذ هذا القرار كان هو الحاج عبد اللطيف العسكي المسير السابق لفريق الرجاء، مع أنني انتدبت لاعبي فريق شركة "الحليب".
وتوقف الغزواني فجأة والدموع تنهمر على خديه، ليضيف قائلًا "حين طًردت من العمل، اشتغلت سائقًا لسيارة أجرة "تاكسي كبير"، "ماعندي لا كونجي، لا صيف، لا شتا، لا تعويض"، تعرضت لوعكة صحية خطيرة، بسبب الانهيار النفسي والمعنوي الذي حل بي بعد الاعتزال، كنت طريح الفراش لمدة طويلة بسبب إصابتي بمرض سرطان الدم، لولا الالتفاتة الرمزية التي قامت بها مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين. الآن أنا عاطل عن العمل بعد أن سحب مني صاحب سيارة الأجرة الرخصة بسبب حادث سير تعرضت له.
واستطرد الغزواني قائلًا " كرهت كرة القدم، وأطالب باللجوء الرياضي، فالمجال الذي كرست حياتي من أجله، أهملني بل والأكثر من ذلك أن الجامعة الملكية لم تعد تتذكر لاعبًا اسمه موهوب الغزواني، وسأرفع ضدها دعوى لدى المحكمة الرياضية إن تمادت في تجاهلي".
وختم اللاعب الدولي السابق موهوب الغزواني كلامه بنبرة مؤثرة، وهو يرثي حاله ومصيره الذي مايزال مجهولًا.. فالرجل الذي حمل القميص الوطني في أكثر من مناسبة، يبحث الآن عن لقمة عيش يسد بها رمقه وهو في خريف العمر.
الغزواني الذي تلاعب بالخصوم تلعب به الأيام، ومن يتنكر لرجال الماضي الجميل يصنع حاضرا بلا نكهة، والغزواني الذي يعد جزءًا من ماضي كروي مشرق، لسان حاله يقول، يامن ترون وتسمعون ، ارحموا عزيز قوم ذل".
أرسل تعليقك