العمل يسير في اتجاهين اثنين في لبنان، لاستعادة نكهة الصيف بمذاق ما قبل الأزمة. تحضّر المهرجانات الكبرى مثل «بعلبك» و«بيت الدين» و«بيبلوس» لتنظيم ما تجده مناسباً من الأنشطة، كل في منطقته خلال شهر يوليو (تموز)، وتسهم هذه المهرجانات مجتمعة، في الوقت نفسه بإحياء مهرجان وطني جامع في بيروت، يستمر أسبوعاً في شهر أغسطس (آب).
يريد وزير السياحة اللبناني وليد نصّار، تغيير المشهد الحزين الذي يخيم على العاصمة اللبنانية، منذ انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس 2020، كل الصعاب بالنسبة له يمكن تذليلها بالإرادة والتعاضد. لهذه الغاية لا يتعب من عقد لقاءات دورية مع مسؤولي المهرجانات الرئيسية، للتنسيق والتشاور، وطرح المبادرات، منذ أكثر من شهرين. وشكلت لجنة توجيهية، في 16 مارس (آذار) الماضي، لهذا الغرض، تضم مجموعة من المعنيين في المجال.تقضي خطة الوزير نصّار بأن تشارك المهرجانات جميعها، كل بحسب ما يرتأي، بحفل على الأقل، لإحياء أسبوع في بيروت، سيطلق عليه اسم «مهرجانات لبنان»، بحيث توجه كل يوم تحية إلى علم من الأعلام، كما سيشمل البرنامج أنشطة تشكيلية وحرفية، وموسيقية، غنائية.
بعض الأنشطة ستكون مجانية، بينما ستباع تذاكر، للبعض الآخر، كمساهمة من الجمهور في التمويل. وبقية التكاليف يجري السعي، لتمويلها من متطوعين، وقطاع خاص، ومبادرات فردية. فالهدف الرئيسي هو إمتاع الناس، وإعادة الفرح إلى قلوبهم، ومسح الحزن عن وجه بيروت.
رئيس «مهرجانات بيبلوس» المحامي روفايل صفير، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن الممثلون عن المهرجانات نلتقي مع الوزير بشكل دوري، وكل يحاول أن يقدم اقتراحه، وبرنامجه. هناك من يفكر بتقديم غناء أو موسيقى، وقد تكون المساهمة في معرض أو إنتاجات من نوع آخر».مسؤولو المهرجانات، لا يريدون الاستمرار في الغياب. فالتوقف مستمر منذ صيف 2020، حيث قدّمت آخر الحفلات واصطدم القيمون على الأنشطة بعدها، بتوالي الأزمات، من الحجر الصحي بسبب الوباء، إلى الانهيار الاقتصادي المريع الذي شلّ الحركة، وحرم اللبنانيين من الكهرباء، وبدت الأولويات في مكان آخر.
عودة المهرجانات، ولو ببرامج محدودة، تحتاج ثلاثة عناصر، كي تكتمل الدورة: «التمويل الخاص، ومساعدة الدولة، وجمهور قادر على شراء البطاقات. ولكن أياً من هذه الشروط لا يتوفر في الوقت الحالي»، حسب روفايل صفير. ويضيف: «مسرح مهرجانات بيبلوس الذي ينصب تقليدياً، على شاطئ الحي التاريخي، في مياه البحر، أمام القلعة التي بناها الصليبيون في القرن الثاني عشر، كانت تكلفته ترتفع إلى مليون ونصف المليون دولار، كل صيف. لهذا يجري التفكير، بالتخلي عنه، واستبداله بمكان أقل كلفة. فنحن لا نزال تحت عجز مساعدات الدولة التي كانت مقررة عام 2017، وما نطالب به بشكل ملحّ هو إلغاء الضرائب الباهظة التي تفرض علينا، وهذا مطلب قديم لما تتم تلبيته، لكن وزير السياحة، هذه المرة، متجاوب معنا، ومقدّر أننا، ما عدنا نستطيع احتمالها».
رئيس «مهرجانات بيبلوس» يتحدث عن برنامج يتضمن حفلين أو ثلاث هذا الصيف في جبيل، لاستعادة نشاطها من جديد وإن بحذر، إضافة إلى مساهمتها في إحياء «مهرجان لبنان» في قلب العاصمة. ويجري روفايل صفير اتصالات مع فنانين لبنانيين، وهم متجاوبون، ومتعاونون للغاية، لكن التقنيات، تبقى من أكثر العناصر كلفة.
هذه العودة بعد انقطاع، وبعدما تبدل حال لبنان بحال آخر، تذكّر القيمين على المهرجانات، بصعوبة البدايات. وكأنما هم يرجعون إلى لحظة الانطلاق بعد الحرب الأهلية، بمصاعبها، وتحدياتها. يتذكّر صفير: «في عام 1998 بعد أن توقفت الحرب الأهلية، حصل المهرجان على ترخيص وبدأنا العمل. وعام 2000 تشكلت اللجنة. لا بأس ببداية محدودة هذه السنة، وقد تكون القلعة التاريخية التي تتسع لأربعة آلاف شخص مناسبة، خصوصاً أن الحضور على الأرجح لن يصل إلى عشرة آلاف»، كما كانت تجري العادة على المسرح الكبير، أيام العزّ والبحبوحة.«مهرجانات بعلبك» بدورها لا تريد أن تبقى غائبة عن المشهد. ويكتب للجنتها، أنها أحيت، رغم الوباء والصعوبات الهائلة، في صيف عامي 2020 و2021 حفلاً كل سنة بثته أونلاين، وعلى مختلف محطات التلفزة اللبنانية، وبعض الأقنية العربية، حرصاً منها على الصمود. وفي المرتين، كان التزامها واضحاً، بمستوى فني رفيع، لا تريد أن تتنازل عنه. الحفلة الأولى جاءت وطنية مؤثرة، من قلب «معبد باخوس» الروماني، في قلعة بعلبك، من خلال حفل موسيقي كبير شارك فيه 170 فناناً، حيث عزفت الفرقة الفلهارمونية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان، مقطوعات مختارة بعناية، لكل منها رسالة خاصة، موجهة إلى اللبنانيين والعالم. شاركت في الحفل جوقات «الجامعة الأنطونية»، وجامعة «سيدة اللويزة»، وجوقة «الصوت العتيق». وقد تألفت الجوقات هذه من حوالي 100 شخص، إلى جانب 75 موسيقياً، وفرقة رقص مؤلفة من 30 راقصاً وراقصة.
العام الماضي قدمت بعلبك حفلاً واحداً أيضاً، هو «شمس لبنان ما بتغيب»، من خلال فيلم صورته خصيصاً لهذه الغاية، موفرة على الجمهور عبء التنقّل في زمن الوباء. صُوّر الشريط، في مناطق أثرية بقاعية، لم تُستغل فنياً من قبل، وتضمّن مقطوعات موسيقية، غنائية، راقصة، أبرزت موهبة الفنانين والمخرجين الشباب المشاركين وروعة الأماكن. كما عرض الشريط بالتزامن مع بثه على المحطات التلفزيونية، على شاشة عملاقة في قلعة بعلبك، خلال حفل جمع الفنانين المشاركين، والرعاة والصحافيين.
أما خلال السنة الحالية، فستقيم «مهرجانات بعلبك» حفلين، حسب المسؤولة الإعلامية للمهرجان مايا الحلبي، التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يرجّح أن يكون الموعد في 8 و10 يوليو، ومن الممكن توسيع الأنشطة، تبعاً لما ستؤول إليه الأحوال. المشكلة الرئيسية أن البنوك كانت الممول الرئيسي للمهرجانات، وبعد الانهيار الذي حصل، لم يعد من بنوك تستطيع القيام بهذه المهمة. الناحية التقنية هي الأكثر تكلفة، والقلعة التاريخية في بعلبك ليست مجهزة ببنية تحتية، لهذا فكل المعدات تركب للمهرجان، خصيصاً ولا بد من تحّمل مصاريفها».
أما «مهرجانات بيت الدين»، فهي ستعود هذا الصيف بعد غياب عامين رأت خلالهما اللجنة «أن الأولوية كانت للصمود الاجتماعي والتضامن الإنساني لاجتياز المرحلة. أما الآن فإن المهرجان سيتربع على عرينه من جديد، في قصر بيت الدين، ليقدم نشاطاً فنياً وثقافياً مميزاً خلال شهر يوليو، إيماناً منه بضرورة الاستمرار في إحياء الدور الثقافي للبنان. وكذلك أكدت لجنة «بيت الدين» لـ«الشرق الأوسط» أنها «لبت الدعوة للمشاركة في النشاط الثقافي الذي ستقيمه وزارة السياحة مع المهرجانات الأخرى، في منطقة الوسط التجاري لمدينة بيروت، وذلك في صيف 2022».
وتسهيلاً للعمل ستصدر وزارة الداخلية العلم والخبر لتأسيس «جمعية مهرجانات لبنان»، كما ستعفى المهرجانات من دفع الضرائب، مع مفعول رجعي عن السنوات التي لم تسدد بعد.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك