ثمن الحبر والورق

ثمن الحبر والورق

ثمن الحبر والورق

 العرب اليوم -

ثمن الحبر والورق

بقلم:سوسن الأبطح

مصر ليست استثناءً. أسعار الكتب تحلّق في كل مكان. رغبة القراء في مقاطعة «معرض القاهرة للكتاب» الذي ينعقد في فبراير (شباط) المقبل، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار بعد أن تجاوزت الضعفين، يمكن أن نراها في باريس وبيروت كما في واشنطن، في أي وقت. لكن ثمة من لا يزال يقاوم، وهناك من يصمت، أو يحاول أن يحتمل. لا أحد يعرف إلى أين تتجه بورصة الورق، المادة الأولية التي منها تصنّع مئات المنتجات، وما الكتب إلا فرع صغير، لكنه نبيل وجميل.
يسجل تراجع كبير في سوق كل الوظائف المتعلقة بالطباعة والنشر والتغليف وصناعة العبوات على أنواعها. سعر أغلى يعني طلباً أقل على مواد يمكن الاستغناء عنها، ولو جزئياً. المبالغة في استخدام الورق جاء بفعل الرفاهية المفرطة، والازدهار المصطنع.
ارتفع سعر الورق في مصر 300 في المائة، ولا بد أن تجد من يدفع الثمن. صديقي الزميل سيد محمود على حقّ، حين يطلب من القارئ المصري أن يجد الحلّ بنفسه، بدل الصدود الكلي، ومعاقبة قطاع بأكمله. ليكتفِ القارئ بشراء كتاب أو اثنين بدلاً من 3 أو 4 كتب. «اعمل تبادل لعناوين مع أصحابك... جمال الكتاب لما بيدور من يد ليد». هناك عودة عالمية إلى عادات قديمة، ظنناها اندثرت. التخلي عن الأكواب الكرتونية، بعض التغليفات المكلفة، الصحون الورقية. كل يبحث عن طريقته في تخفيف الوطأة. في «معرض القاهرة للكتاب»، يتم الاتفاق مع «بنك مصر»، لتقسيط سعر الكتب التي يتم شراؤها من القراء، على 9 أشهر أو سنة من خلال خدمة بطاقة الفيزا. حسناً، إذا كان خلاط المطبخ يقسّط والجوال والكومبيوتر، فلماذا لا يسري الإجراء نفسه على الكتاب؟
مع انهيار البنوك في لبنان، وجد الناشرون في «معرض بيروت للكتاب» حلاً من نوع آخر، أخرجوا الكتب القديمة، وعرضوا أرشيفهم الثمين، وكنوزهم المخبأة، بأسعار ضئيلة، خدمة لطرفي المعادلة. الناشر يتخفف من أعباء التخزين، والقارئ يستمتع بأرخص الأسعار. معرض فرنكفورت للكتاب يضيق أعماله، ويسرح موظفيه. معارض أخرى تُدخل إلى جانب الكتب بضائع أكثر جاذبية.
أعلن أكبر تجمع للصحف الفرنسية «إبرا» عن تكلفة بلغت 16 مليون يورو، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والورق معاً، وأن المطبوعات الفرنسية المنتمية للتجمع، وتوزع مليون نسخة، جعلت 50 في المائة من محتواها على منصاتها الإلكترونية محجوباً، كي تواجه الأزمة.
الأرقام العربية للصحف والكتب هزيلة. وهي صناعات تتألم من التضخم العالمي، والانكسار الاقتصادي الداخلي معاً. الوجع مزدوج. تتحدث صاحبة «دار الآداب» عن 1000 نسخة من الكتاب الواحد ليس أكثر باتت تطبع لـ400 مليون قارئ عربي مفترض. قليل جداً منها ما ينفد بالفعل، أو يتمكن الكتاب من بلوغ طبعته الثانية. قبل سنوات قليلة، كنا نتحدث عن 3 آلاف نسخة. هذا يعني أن الانحدار سريع ومتواصل.
من المفارقات أن الناشرين تعبوا ويئسوا من مكافحة القرصنة. بإمكانك أن تحصى القراء في دول كثيرة في العالم، لكن العرب ليسوا من بينهم. فالكتاب قد يبيع 200 نسخة ويقرأوه 10 آلاف مقرصن على الإنترنت. لا مجال لفهم السوق أو عمل دراسات دقيقة حين تسود الفوضى.
الوضع صعب «بين أن يبقى الناس بلا قراءة أو يقرصنون كتبنا ويستمتعون بها، أفضّل الثانية» تجيب صاحبة «دار الآداب»، المناضلة في عالم النشر المتقّلب، رنا إدريس. «لا بأس» تقول ناشرتنا «طالما أن الدار لا تزال قادرة على الوقوف على رجليها، وتفي بمستحقاتها، وتكمل مسيرتها».
انخفضت المداخيل في كل المهن. لكن الكتاب عند العربي من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة. لذلك، فهو حلقة ضعيفة. «مستقبل الكتاب في الضباب. كلنا نعاني؛ ناشرون، موزعون، بائعو كتب، في مصر كما في أي مكان آخر، المبيعات غير مرضية»، يشرح رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد. في معرض كتاب القاهرة، سينخفض عدد الإصدارات عن دورات سابقة. وفي العالم كله، قد نرى كتباً مطبوعة على ورق أقل أناقة، وأغلفة أكثر تواضعاً.
صناعة الورق البسيط الذي نستخدمه لكتابة ملاحظة، أو لفّ هدية، أعقد كثيراً مما نعتقد، فهي تتأثر بالمحاذير البيئية المستجدة، ورفض التوحش في التعامل مع خشب الأشجار، والإضرابات العمالية في الجزء الشمالي من أوروبا، خصوصاً فنلندا، وكذلك ارتفاع سعر الصمغ، وتعثر سلاسل التوريد، وشحّ المادة نفسها، في الأسواق. وإذا اضفت إلى كل هذا ارتفاع سعر الطاقة التي هي جزء أساسي تصل إلى ربع تكلفة صناعة الورق، تدرك أن الورقة الواحدة مسارها أطول وأصعب مما كنت تتخيل.
فقدت أوروبا 25 في المائة من قدرتها على إنتاج بعض أنواع الورق في السنوات الأخيرة، لأسباب بيئية. وأغلقت مجموعة الصناعات الورقية العالمية الفنلندية «ستورا إنسو» أربعاً من مصانعها الخمس، راغبة في التوجه صوب صناعة خضراء مستدامة.
مساعدة دور النشر المستمرة، ومساندتها في أوروبا من قبل الحكومات، ليست مجرد مكرمة وحباً في الثقافة، فهي توظف 640 ألف شخص، وتحقق مبيعات تراكمية تبلغ 82 مليار يورو.
أمران سيجعلان أزمة الورق طويلة ومعقدة. البحث عن حلول مستدامة، تحمي البيئة، والنظر إلى قطع الشجار ككارثة إنسانية كبرى. أما الأمر الثاني فهو ارتفاع سعر الطاقة التي بدونها لا تصنيع ولا مواصلات ولا طباعة أو كتاب.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمن الحبر والورق ثمن الحبر والورق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab