بقلم - عمرو الشوبكي
تصريح المندوب الروسى، فى مفاوضات فيينا، بأن الاتفاق النووى بين أمريكا وإيران جاهز على التوقيع ويحتاج فقط لإرادة سياسية، مثير للجدل، فهو، من ناحية، يؤكد اتفاق البلدين على معظم القضايا الخلافية التى عطلت التوقيع على الاتفاق، ويعنى، من ناحية أخرى، أن إدارة الرئيس بايدن تمسكت بخيارها الاحتوائى مع إيران، رغم معركتها مع روسيا فى داخل أوكرانيا ومعرفتها بقوة التحالف الروسى- الإيرانى.
الخيارات الاحتوائية للإدارات الديمقراطية الأمريكية تضمن عادة الأقليات العرقية والجماعات المهمشة والشباب والمرأة، حيث تعمل على دمجها داخل المنظومة السياسية، وإعطاء الفرص لتيارات قادمة من خارج النسق السياسى السائد، لكى تصبح جزءا من المؤسسات الشرعية، بل وتنال فرصا متساوية للصعود الاجتماعى والسياسى، وهو ما انتقل إلى السياسة الخارجية فرفعت الحوثيين من على قوائم الإرهاب، واعتبرت ذلك مدخلا لتغيير سلوكهم، وربما طريقا لإيقاف الحرب فى اليمن، ودخلت فى حوار مع إيران من أجل العودة للاتفاق النووى الذى سبق أن وقعت عليه فى عهد الرئيس الأسبق أوباما باعتباره أيضا مدخلا لتغيير سلوكها.
وتعد العلاقة مع إيران نموذجا لافتا لهذه السياسة الاحتوائية التى طبقها الرئيس الأسبق باراك أوباما، وأسفرت عن التوقيع على اتفاق خمسة + 1 فى 2015، ويحاول تكرارها الرئيس بايدن فى سياق سياسى ودولى مختلف، فى محاولة للتوصل لاتفاق جديد مع إيران، فى مسعى لتعديل توجهاتها عبر تبنى سياسات احتوائية تنقلها من دولة ممانعة خارج المنظومة العالمية إلى دولة ممانعة من داخلها، وفتح الباب أمام المجتمع الدولى للتأثير فى النظام الإيرانى ودفعه نحو الاعتدال.
وقد بدت السياسة الأمريكية الاحتوائية كملمح رئيسى فى إدارة بايدن، وهو أمر لا يجب بالضرورة رفضه من حيث المبدأ، إنما يجب تفكيكه تبعًا لكل حالة وسياق، لأن فكرة الدمج والاحتواء تتطلب إعادة التأهيل وتغييرا فى المواقف والسلوك، كما جرى مع أعراق وتيارات ودول كثيرة دمجت فى النظام السياسى الأمريكى أو الشرعية الدولية عبر تفاعلها والتزامها بقواعد وقوانين هذا النظام.
والحقيقة أن الموقف العربى من الاستراتيجية الاحتوائية الأمريكية يجب أن يكون مرتبطا بقدره هذه السياسة الاحتوائية على تغيير سلوك إيران فى المنطقة والعالم، وتحديدا بالتوقف عن التدخل فى شؤون الدول الأخرى عبر أدوات سياسية وعسكرية مختلفة. وقد تكون لبنان، بعد زيادة نسبة تمثيل القوى المناهضة لحزب الله فى البرلمان، ساحة اختبار لإيران ومدى قدرتها على التعايش مع القوى المخالفة.
إن التوقيع على الاتفاق النووى بين أمريكا وإيران قد يكون خيارا إيجابيا يجنب المنطقة مواجهات وأزمات هى فى غنى عنها، لكن بشرط ألا يكون مساويا لإطلاق يدها لتدخل فى العالم العربى، إنما يجب أن يكون نقطة للتوافق العام واحترام سيادة كل دولة