بقلم - عمرو الشوبكي
نجحت روسيا فى تحقيق الجزء الأول من أهداف هجومها على أوكرانيا، والذى تمَثَّل فى تحييد الجانب الأكبر من قدراتها العسكرية من أجل وضع قواعد جديدة تنظم علاقتها بالغرب وتنسى قصة انضمامها إلى حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبى.
لقد ذهب الناتو بعيدًا فى تهديد حدود روسيا بضم العديد من دول أوروبا الشرقية، بل جمهوريات سوفيتية سابقة، إلى عضويته، وهو ما جعل موقف روسيا من منع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف أو تحويلها إلى قاعدة أمريكية على حدودها مشروعًا، ولكن تبقى المشكلة فى الأداة والأسلوب، الذى اعتمد على هجوم عسكرى على دولة ذات سيادة، وهو أسلوب مُدان ولا يجب قبوله، حتى لو أقسمت روسيا كل يوم أنه لم يكن أمامها بديل آخر.
وبما أن المواجهات العسكرية لم تنتهِ، وهناك قوات أوكرانية لاتزال تقاوم بجانب عقوبات اقتصادية أطلقتها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا، فهذا يعنى أن الجزء الثانى من هذه المعركة على الأبواب، وتعامُل روسيا مع المعركة هو الذى سيحسم نجاحها فى تحقيق أهدافها من عدمه.
والحقيقة أن تحويل النجاح أو التفوق العسكرى الروسى إلى انتصار متوقف على مجموعة من العوامل تشكل دائمًا الجزء الثانى من أى معركة، وهى عدم السقوط فى ردود الفعل العشوائية التى تعلن الحرب على الجميع، أو تصوير الأمر على أنه معركة بين نموذجين أو رسالتين للعالم، فروسيا لا تشكل نموذجًا بديلًا أو منافسًا لنظيره الغربى مثل الصين، فهى نظام أقرب إلى رأسمالية دولية، وتغيب عنها الديمقراطية ودولة القانون، وهى لا تتبنى رسالة النظام الاشتراكى الذى حكم روسيا عقودًا طويلة، وتحت راياته انتصر الاتحاد السوفيتى على النازية، إنما هى تدافع عن مصالحها كقوة عظمى فى مواجهة أخرى بما يعنى أنها لا تخوض معركة تحرر وطنى ولا نضالًا ضد «الإمبريالية»، إنما هو تأمين لحدودها ودفاع عن مصالحها.
والحقيقة أنه إذا تصرفت روسيا فى حدود الأهداف التى حددتها، أى تأمين حدودها وأمنها القومى بعيدًا عن الاستعراض الفج لسلاحها النووى أو الإمعان فى كسر أوكرانيا وتدميرها دون أن تعبأ بالضحايا المدنيين، فإنها ستنجح فى تحقيق أهدافها، أما إذا ذهبت بعيدًا ولم تسْعَ من الآن إلى الذهاب للتفاوض فى بلدان محايدة وليس «بيلاروسيا» حليفتها، فإن الخسارة ستلحق بها آجلًا أم عاجلًا لأن الجزء الثانى من أى معركة عسكرية هو الحاسم، ويتمثل فى إدارة العلاقات مع باقى دول العالم وليس فقط الحلفاء، وعدم إصابة القادة مع أى نجاح بداء جنون العظمة، فيضربون يمينًا ويسارًا فيكونون أول الخاسرين.
يقينًا، روسيا فى مفترق طرق، فقد تنجح فى تحقيق أهدافها وتأمين حدودها إذا اعتبرت أن هذا هو فقط هدفها سواء فى الجزء الأول من المعركة أو الثانى والأخير الذى صرنا على أبوابه