بقلم - عمرو الشوبكي
حين يتحدث كبار المعماريين فى مصر والعالم عن المدن العريقة مثل القاهرة وباريس وروما ومدريد وإسطنبول وغيرها فإنهم يستخدمون تعبيرات مثل ذاكرة المدن والهوية البصرية للمدينة وتعنى فى الحقيقة الحفاظ ليس فقط على كل أثر إنما كل مبنى عريق أو مقبرة قديمة لها طابع معمارى خاص.
والحقيقة أن ما جرى ويجرى فى مقابر الإمام الشافعى والسيدة نفيسة من هدم لبعض المقابر القديمة يحتاج لمراجعة جذرية، وأن قرار تشكيل لجنة من المتخصصين للبت فى موضوع إزالة الجبانات وإنشاء مقبرة الخالدين، قرار فى الاتجاه الصحيح لأنه سيفتح باب الأمل لوضع تصور جديد للتعامل مع مقابر القاهرة.
صحيح مطلوب عمل مقبرة للخالدين تضم رفات من سبق وهدمت مقابرهم أو أزيلت عبر عقود طويلة أمثال المقريزى وابن خلدون فى باب النصر ومن المعاصرين الدكتور نور الدين طراف ومحمد التابعى وزكى المهندس وآخرون، أما من لديهم مقابر فى الوقت الحالى ومهددة بالإزالة بسبب توسيع طريق أو بناء كوبرى فلا يجب أن يكون قرار هدمها أخر الحلول.
والحقيقة أن جبانات القاهرة التاريخية التى نشأت تحت سفح المقطم فى القرن السابع الميلادى دفن فيها من الصحابة عمرو بن العاص وعقبة بن نافع وأبو ذر الغفارى وآخرون، كما شيدت بها أضرحة للحكام وأولياء الله الصالحين، وفى عصر محمد على شيد حوش الباشا وتوفيق و«البرنسيسات» وباشوات محمد على وأعيان مصر ورموزها الثقافية فى مجالات السياسة والفن والشعر والأدب، حتى وصلت مساحته فى بداية القرن العشرين إلى خمسمائة فدان بطول ١٢ كم، ويعتبر مكونًا أساسيًّا للهوية البصرية لمدينة القاهرة.
وإذا كان البعض يقول إنه فى عصور قديمة سابقة أزيلت مقابر وإن منطقة العتبة بنيت فوق مقابر، فهذا لو كان صحيحًا فهو حدث منذ ما يقرب من قرنين، ولم تكن المفاهيم الحالية فى المعمار والاقتصاد والسياسة والعلوم موجودة فى وقتها، وإن وسط المدينة فى العاصمة البولندية هدم بالكامل فى الحرب العالمية الثانية وأعيد بناؤه بتقنيات حديثة بنفس تفاصيل الشكل القديم.
ولا يمكن لأحد أن يذهب إلى الحى اللاتينى فى باريس ويجد أكشاك الكتب على نهر السين قد أزيلت لتوسعة الممشى، ولا يمكن لأحد أن يذهب لمنطقة السلطان أحمد فى إسطنبول ويجد مقبرة قد أزيلت لتوسيع طريق.
حين يقال الهوية البصرية للقاهرة فإن هذا يعنى الحفاظ على مساحة منطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعى كما هى والمطلوب تجديدها وتطويرها وجعلها مزارًا سياحيًّا للمصريين والأجانب.
الناس تعود للمدن التى تربّوا أو تعلموا فيها لذكرياتهم فيها، والهوية البصرية لأى مدينة هى عبارة عن لقطة أو صورة للهرم أو مقابر القاهرة وهى التى تجلب السياح والزائرين والعملة الصعبة لمن يفكر بطريقة مختلفة وعلمية فى نفس الوقت.